محمد حربي يكتب: محرقة رفح .. “هيروشيما فلسطينية”
تظل محرقة خيام رفح الفلسطينية، وتفحم جثث الأبرياء ” أطفال، ونساء، وشيوخ”؛ التي وقعت مساء الأحد 26 من شهر مايو الماضي، واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية، في حق الإنسانية؛ التي ارتكبتها – ومازالت مستمرة فيها- القوات الصهيونية. وما فعله الاحتلال الإسرائيلي، وحكومة بنيامين نتانياهو، ضد الفلسطينيين العزل في قطاع غزة، منذ السابع من شهر أكتوبر ( عام 2023م.)؛ تكاد ترقى – إن لم تتجاوز- لرتبة أَهْوَال ما خلفته القنبلتين الذريتين اللتين أسقطتهما الولايات المتحدة الأميركية على اثنتين من المدن اليابانية، هما: هيروشيما، وناغازاكي، يومي 6 و9 على التوالي، من شهر أغسطس (عام 1945م.)؛ حتى تستسلم اليابان في الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من الآثار النفسية التي تركها ذلك الحادث على اليابانيين؛ إلا أن عمليتي القصف الجوي الأميركي على المدينتين، لم تستغرق كلتيهما سوى لحظة واحدة.
وحتى ما حدث من ظروف مشابهة في بعض المدن العالمية الأخرى، مثل مدينتي هامبورغ، ودرسدن الألمانيتين، واللتين سبق لهما واكتويتا بنفس اللهيب الذري، على يد الحلفاء؛ حيث تم تدمير الأولى في يوم 4 يوليو (عام 1943م.)، فيما أطلق عليه اسم عملية عمورة – واحدة من مدينتي سدوم وعمورة الكنعانيين اللتين تم تسجيل تدميرهما في الكتاب المقدس سِفر التكوين-، ومع ذلك فإن عمليات القصف، لم تستمر أكثر من أسبوع واحد في الأولى. وأما الثانية، وهي عاصمة ولاية ساكسونيا؛ فقد أمطرها السلاح الجوي البريطاني الأميركي، في يوم 13 فبراير (عام 1945م.)، بوابل من القذائف والقنابل شديدة الانفجار؛ واستغرق يومين فقط. وأما قطاع غزة الفلسطيني؛ فقد دخل التاريخ، بعد أن سجلت عدوانية الصهيونية فيه أعلى رقم قياسي لجرائمها ضد الإنسانية، في تاريخ البشرية، من حيث: امتداد الفترة الزمنية، وعدد المذابح، وجرائم الإبادة ضد المدنيين.
وإذا كانت المدن الأربعة ” هيروشيما، ناغازاكي، هامبورج، ودرسدن”، المنكوبة في الحرب العالمية الثانية؛ قد قصفها السلاح الجوي لقوات الحلفاء، خلال الحرب العالمية الثانية، فكان لهذا ظروفه التاريخية، ضمن حرب شاملة، ولارتباطه بتمركز الجيوش والبنية العسكرية. ولكن في غزة، فالقوات الصهيونية، جعلت المدنيين هدفها المباشر؛ وقد شكل الأطفال والنساء نسبة 68% من الشهداء الفلسطينيين. والذين استخدم الاحتلال الإسرائيلي ضدهم أسلحة وذخائر غير تقليدية، ومحرمة دولياً، ومنها الفسفور الأبيض؛ الذي يذيب جلود بعض الجثامين، ويظهر في شكل حروق على الجرحى. وربما تؤدي التفاعلات الإشعاعية مع الغازات السامة، لآثار سلبية على البيئة في المستقبل، فتصيب الأجيال القادمة بالعديد من الأمراض، سواء على صعيد التشوّهات الخلقية، أو ارتفاع نسب العقم، أو الأمراض السرطانية؛ وذلك بحسب معلومات “المركز الفلسطيني للإعلام ” .
لقد جاءت محرقة خيام النازحين في مدينة رفح، والمعروفة بإسم ” مخيم السلام الكويتي “؛ لتذكر العالم، بصيحة ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة – ريك بيبركورن؛ الذي قال في شهر فبراير الماضي: ” إن كل العيون تتجه إلى رفح”، يحذر فيها من تداعيات أي هجوم إسرائيلي على رفح المكتظة سكانياً، بما يزيد عن مليون ونصف لاجئ فلسطيني. وقد ترددت أصداء دعوته في كل أرجاء العالم؛ حتى أخذتها المغنية والملحنة الأيرلندية كلير ساندز – من مقاطعة ويكسفورد شمال أيرلندا-، وعملت منها أغنية بعنوان: ” كل العيون على رفح “، تندد فيها بجرائم القوات الإسرائيلية. بينما الفنان محمد رمضان، وفرقته الاستعراضية يُغني في حفل المباراة الختامية لدوري أبطال أفريقيا بين الأهلي والترجي التونسي، بإستاد القاهرة، أغاني “نمبر وان”، و” مافيا “؛ ولكن تعالت هتافات الجمهور الأهلاوي: “بالروح بالدم نفديك يا فلسطين”، مع رفع الأيدي على طريقة “حنظلة” الشخصية الفلسطينية التي ابتكرها رسام الكاريكاتير ناجي العلي.
ويبدو أن الاستخدام المفرط من جانب الجيش الصهيوني للقذائف، والمواد المتفجرة في قطاع غزة، بما تجاوز أكثر من 77 ألف طن، منها 10 بالمئة لم تنفجر بعد، وستظل تشكل خطراً شديداً، لن ينتهي حتى بانتهاء العدوان. مع ارتكاب القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 3 آلاف مجزرة، وتدمير نحو 75 % من منازل الفلسطينيين، وسقوط حوالي 36 ألف شهيد، و81 ألف جريح، غير المفقودين. وكل ذلك دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية من خبراء مختصين، لتقصي الحقائق حول الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل، بما في ذلك احتمالية استخدام قنابل مروعة تولّد حرارة شديدة تؤدي إلى تحلل وتبخّر أجساد الضحايا؛ وخاصة بعد أن قامت دائرة حقوق الإنسان في منظمة التحرير الفلسطينية، بتوثيق استخدام الجنود الإسرائيليين لـ 13 نوعا من الأسلحة المُحرمة دوليا، وفقًاً لاتفاقيات لاهاي (عامي 1899م. و1907 م.) واتفاقيات جنيف (عام 1949م.).
إن سجل الاحتلال الإسرائيلي حافل، بارتكاب الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وبما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة (لعام 1949، والخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب. والتي قد ترقى إلى أن تكون جرائم حرب ضد الإنسانية، تتطلب تفعيل آليات التحقيقات القانونية، والقضائية، من أجل محاسبة القادة والجنود الإسرائيليين، وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب، أمام المحكمة الجنائية الدولية في “لاهاي “. وكذلك ملاحقة الآخرين من الداعمين أو المحرضين لإسرائيل، باعتبارهم شركاء في الجريمة، ومنهم على سبيل المثال السيناتور الجمهوري الأميركي ليندسي غراهام؛ الذي قال في مقابلة مع قناة ” إن بي سي نيوز” يوم 13 من شهر مايو الماضي: إن القرار الصائب، هو قيام الحكومة الإسرائيلية بضرب قطاع غزة بقنبلة نووية، كما فعلت أميركا مع مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين لإنهاء الحرب العالمية الثانية.
ولعل هذا السقوط الأخلاقي، يكشف عقلية الإبادة والاستعمار التي تسكن قطاعات من النخبة السياسية الصهيونية، والمتماهية مع جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، يُنفّذها جيش الاحتلال الإسرائيلي المتجرّد من الأخلاق ضد مدنيين عُزَّل في قطاع غزة؛ وتتحول محرقة خيام رفح إلى هيروشيما جديدة.
كاتب وصحفي
[email protected]