الدكتورة نجلاء نبيل تكتب : الحب والعلاقات الالكترونية

مما لا شك فيه أن النفس البشرية غاية في التعقيد .مهما وصلنا لدرجات علمية عالية فلن نستطيع الجزم بأننا قد وصلنا لحل اللغز ولو بالقليل عن ماهية النفس البشرية .

حيث أننا لا يمكن أن نتوقع ردود فعلها عند بعض الناس بنسب متساوية . فلكل منا كم من الإحتمال لا يتساوى مع الآخر عند تعرضه لنفس الظروف التي مر بها غيره .

الأمر الآن أصبح أكثر تعقيداً من ذي قبل فلقد أثرت مواقع التواصل الإجتماعي بشكل ملحوظ بل ومرعب على الشخصية البشرية بوجه عام وعلى الشخصية العربية بوجه خاص .

ومن مظاهر هذا التأثير وأخطرها هو التأثير العاطفي والذي يأخذ المرتبة الأولى من حيث الخطورة بعد الفكر المتطرف في توجيه المجتمع .

فكلاهما يؤدي إلى تمزيق الجسد العربي والإنهاء على القيم التي تربينا عليها .

لقد أصبح الأمر الأن غريب وكأن المجتمع أصيب بإنفصام الشخصية “الشيزوفيرينيا” .

نجد الرجل يحب زوجته ومتمسك بها ولكنه ينجذب لأكونت يرتبط معه بأحببته❤️ ويعاتبه بأغضبني😠 وينهي العلاقة بالبلوك 🚫 .

هذه هي العلاقة الإلكترونية والتي جعلت منا ريبوتات أصبحنا نهرب من واقع حزين لنعيش واقع ممسوخ آلة تريد الحياة بلا روح .

حتى المرأة العربية وجدت من الميديا متنفس لها فكل ما حرم عليها فعله من علاقات انسانية واجتماعية وثقافية تثبت فيه ذاتها أصبح الآن تحت إمرتها بكبسة ذر .

فمن غير المقبول أن نتناسى ديننا وقيمنا لإرضاء غرائز من شأنها أن تدمر كياننا وتاريخنا الحافل بالعزة والشرف .

ولكن يتبقى لنا كلمة في مدى دور مواقع التواصل الإجتماعي في التعبير عن المشاعر والرقي الفكري والعاطفي بعيد عن الإسفاف الغرائزي .

الحب علاقة راقية لم يحرمها الله ولم يبغضها بل هو لغة التقارب الروحي بين البشر بعضهم بعضاً .

ويختلف التعبير عن الحب حسب ثقافة الفرد والبيئة المحيطة به وطريقة عبادته لله .

فنجد أن الحب في الماضي البعيد والقريب يختلف كلياً وجزئيا عن الحب في عصرنا هذا .

فالحب هو احتواء المحب لمن أحب وهو الرئة التي يتنفس بها أكسجين نقى من نظرة حانية لمحبوبه .

الحب منزه عن النواقص فحبنا لله يجعنا نرتقي بحبنا للبشر ويجعل من قلوبنا سكن لمن نحب .

الحب علاقة عجيبة مثله مثل رحلة عبر الفضاء بين النجوم لعاشق يمسك بيد معشوقته يحنو عليها بقلبه النابض يهبها الحياة .

الحب طائر يطير بنا على جناحيه يعلو بنا فوق السحابات ويلامس بأرجله ماء البحار .

الحب حياة على ضفاف نهر عذب وغدير يعزف مقطوعة حياة وفراشات تتراقص على نظرة لامعة لعين عاشق .

ولكن اليوم وبكل أسف أصبح للحب تعريف آخر بعد تداخل الفكر الغربي بالقلب العربي لينتج لنا نفسا بشرية غير معروفة الهوية .

لقد كان الحب سابقا نظرة على استحياء للمحبوب للحفاظ عليه من كل ما يمكن أن يشوبه .

كانت الفتاة عندما يدق قلبها لا تفصح عنه بل ومن الممكن ان تميت هذا الإحساس بداخلها متعمدة وهي راضية حفاظاً على سمعة عائلتها .

وكان الشاب يحاول لفت أنظار الفتاة بكل أدب وإحترام حتى لا يجرح مشاعرها وينقص من كيانها كأنثى راقية .

الميديا خلقت لنا نوعاً جديداً من الحب بين الشباب والفتيات بل والرجال أيضاً .

الحب الآن على الميديا حوار ومن ثم يتطور إلى ما هو أخطر نسأل الله العافية لنا ولكل شبابنا .

فلو قارنا مقارنة بسيطة بين الحب قديماً والحب بعد الميديا سنجد شئ صادما .

الحب قديماً كان يبدأ بنظرة خلسة تتلوها زيارة منزلية من أهل الشاب لخطبة الفتاة التي أحبها .

ثم نظرات غزلية من الشاب لخطيبته التي ستصبح زوجته عما قريب وهي ترد له بعض هذا الحب بواسطة كلمة تكتبها بكل رقي واتزان أو منديل قماشي معطر ومكتوب عليه اسمها .

كان الحب عاطفة جميلة غير مانراه الآن فالحب أصبح سلعة تباع وتشتري .

الفتاة الآن تحب السيارة والفيلا ودفتر الشيكات والقت بقلبها بعيدا عن حبها .

والشاب تجرد من النخوة والغيرة وأصبح كيان هش يحب جسد بلا روح أنثى مغرية مجردة من العاطفة الراقية .

ثقافة الحب اختلفت فكل شئ أصبح تك أوي في علبة مبهرة ولكن ما بداخلها محتوى فارغ من الفائدة .

وفي النهاية يجب علينا جميعا أن نزرع الحب مرة اخرى في حياتنا وحياة احبابنا ليزهر ارقى الزهور ببستان الحياة .

زر الذهاب إلى الأعلى