سحر الزارعي تكتب : ثقافة الاستعداد الإبداعي
الاعتراف بالخطأ مهما كان نوعه وحجمه وطريقة انتشاره ومدى الاعتياد عليه، ضرورة حضارية يجب أن يُسلّم بها كل من يسعى لتنمية عقله وتنوير فكره والتماشي مع مستجدات عصره.
من أبرز الأخطاء المستفحلة في أجيالٍ خلت.. والمرفوض تماماً امتدادها لهذا العصر.. لأنها لا تتسق معه بحالٍ من الأحوال، هي ثقافة الإجبار المعرفي، الإجبار على الكسب العلمي والتحصيل الدراسي.
ثقافة إجبار العقل على التحوّل لوضع الإبداع فورياً بحكم القوة والجبروت! وهذه بالطبع كانت ثقافة معتمدة للآباء والأمهات في التعامل مع أبنائهم.
إن ترسيخ العلاقة السوداوية مع المدرسة لم يكن سببه نوعية المنهج والمدرسين، بل طبيعة علاقة الأهل مع مفهوم التعليم والتعلّم! لكن تناول هذه الثقافة لم يكتفِ بالحقل المدرسي فحسب، بل تجاوزه لحقولٍ حياتية أخرى مختلفة، ناشراً فيها جموده وقسوته وإفراطه في إنكار الواقع والنتائج البشعة المتراكمة.
هذا التيار الفكري الـمُنفّر لم يصمد طويلاً في العديد من الشرائح الاجتماعية التي انقلبت عليه وعملت على تكييف عقليتها على نقيضه، ثقافة الاستعداد الإبداعي، التي تؤصّل حقيقة طريقة عمل الدماغ البشري، التي تُبغض فعل الأمر فيما يخص الاكتشاف.
و للعقل البشري حالات متفاوتة من الاستعدادية، أهمها الخوض في غمار الفكرة الجديدة والمعلومة ذات الأبعاد المختلفة.
لقد برع المثقفون في اجتذاب الاستعدادية الإبداعية لدائرة الفنون، وكان هذا من مصلحة الجميع بحسب ما باحت به النتائج الواضحة. ما أروع فنون استدراج العقل طوعاً لمساحات الإبداع.. إذ إن توهّجه حينها سيكون ساطعاً.
المثقفون يدركون تماماً تعاضد العناصر الضرورية للوصول للاستعدادية، مثل النوم الجيد والكافي، وكذلك الغذاء، والنشاط البدني المستمر، ومنع مسببات التراكمات النفسية وتعزيز حالة السعادة، وتوفير الأجواء المريحة المناسبة للأمزجة المختلفة، وعدم فرض مزاجٍ على آخر.
الاستعدادية حالة فردية صرفة، فبين البيئة الساكنة والمتحرّكة وحضور الموسيقى أو صوت البحر أو صوت السكون العميق، تختلف الأذواق، واختلافها من أهم أسباب تعدّد أنواع القهوة ورفيقاتها في رحلة تحضير العقل ليكون في أوج طاقته الاستعدادية للكسب والعطاء على حدٍ سواء