عايدة عوض تكتب : وضع تركيا داخلياً وخارجياً
في سبتمبر الماضي استقال احمد داوود أغلو رئيس الوزراء التركي السابق من حزب العدالة والتمنية قائلاً ان الحزب الان يخضع لقلة قليلة تتحكم فيه وانه لابد من تغير الاتجاه الذي تنهجه البلاد حالياً.
وفي يوم ١٢/١٢/٢٠١٩ قدم احمد داوود أغلو أوراق تأسيس حزب سياسي جديد لوزارة الداخلية وبالرغم من تكهنات كثيره باسم الحزب الجديد الا انه اعلن عنه تحت اسم “حزب الحياة والعدالة” وشعاره هلال وميزان.
ويعتبر داوود أغلو من ابرز السياسيين في الدوله اذ انه شغل منصب وزيراً للخارجية ٢٠٠٩-٢٠١٤ ورئيساً للوزراء ٢٠١٤-٢٠١٦ وهو حليف سابق لاردوغان ولكنه وجه انتقادات لسياسة حزب العدالة والتنمية ولأداء الحكومه وبالأخص فيما يتعلق بالاقتصاد، وانتقادات لشخص اردوغان نفسه.
وكان اوغلو قد هدد بفتح ملفات الارهاب مما أوصل العلاقة الى طريق مسدود عندما أحاله اردوغان الى مجلس تأديب فلم يجد داوود أغلو غير الاستقالة من الحزب وتكوين حزب خاص به لينافس اردوغان في الانتخابات القادمه. ولم تكن هذه الاستقالة الوحيدة من حزب العدالة والتنمية بل تبعها اخرين .
ويقول نائب رئيس وزراء تركيا الأسبق على باباجان ان هناك خلافات عميقة مع توجهات اردوغان وان تركيا تحتاج الي رؤية جديدة.
ويبدو ان السيد داوود أوغلو كان يقوم بالانتقادات القوية لكل ما لا يعجبه من ممارسات الحزب الذي كان احد مؤسسيه وحتى قيل انه احد واضعي ايديولوچيته وحتى وصل الامر لانتقادات لاردوغان نفسه.
ويبدو ان الخلافات كانت على ان الحزب اصبح متشدداً إسلاميًا اكثر منه ليبرالي وانه كانت بوادر لنية اردوغان قلب نظام الحكم الى رئاسي والذي يعطيه حرية اكبر في القرارات الاحادية. ففضل أوغلو والآخرين الاستقالة وتأسيس حزب ليبرالي ليواجه حزب اردوغان الاخواني الاسلامي.
وطبعاً هذا كان له وقع سلبي على حزب العدالة والتنمية والذي كان قد خسر مقاعد كثيره في أنحاء متفرقة من تركيا في الانتخابات الاخيره. وهذا يعني ان هذا الانشقاق في صفوف الحزب يضعف من قوة الحزب داخل تركيا، ويزيد على ذلك تصرفات اردوغان الذي اعلن عن “تقاعد” ٥ من چنرالات القوات المسلحة. ولم يكن هذا كله ولكن ايضاً تصرفات اردوغان التي جلبت على رأسه غضب امريكا التي قامت بالإيقاع بالليرة التركية وتمكنت من هز اقتصادها هزة قوية.
وبجانب كل ذلك عدم وجود خطة جديدة للتنمية او لحل المشاكل العرقية مع الاكراد او الطائفية وزيادة حدة الاتهامات بالخيانات أدت الى تقلص حزب العدالة والتنمية والذي انعكس في الخسارة في الانتخابات. هذا بجانب كم الاعتقالات التي يمارسها اردوغان لكل من يعارضه ليس فقط من الطلاب ولكن من كل فئات الشعب وخصوصاً الصحفيين والمعلمين والقضاة والمحامين.
اما بالنسبة لشخصية أوغلو فيبدو انه له تأثير قوي إذ انه له افكار كثيره كانت وراء انتعاش الاقتصاد التركي وقد أشادت به مجلة فورين بوليسي ولذا فلديه إمكانية تأسيس حزب ناجح امام حزب اردوغان والذي الان انتقل الى نظام الرئاسي في حكم الدوله والذي وجد معارضة عريضه من الشارع التركي.
هذا في الداخل التركي اما في الخارج فكان تذبذب اردوغان بين الأقطاب مره مع امريكا ومره مع روسيا قد وضع تركيا في وضع الحليف الغير مؤتمن والذي يمكنه ان يغير ولائه في اي وقت لمصالحة فقط وليس لحسابات عامة.
ولذا نجد ان كل من روسيا وامريكا لا يأمنا جانبه ولا يثقا في ولائه، بالرغم من انهما يستخدمانه كل لضرب الاخر. ولم يعى اردوغان بعد لذلك وانه يستخدم لمصالح الدول الكبار.
وعندما تمكن اردوغان من الضغط على ترامب بالابتزاز غالباً، لسحب القوات الامريكية من شمال سوريا حتى يقضي على الاكراد، فهذا لن ينساه ترامب له لانه اساء لسمعة ترامب داخلياً وهوجم بشدة على تخليه عن حلفاء سابقين وتركهم ليصفوا عرقياً من جانب اردوغان.
ولكن نجد ان ترامب قد أخذ بثأره وبطريقة غير مباشره عندما مرر مجلس الشيوخ اعترافه بمذبحة الأرمن وإدانة الاتراك فيها وبذلك بدأ في إجراءات فرض عقوبات على تركيا من جراء ذلك.
اما روسيا فهي تريد تمرير خطوط غازها وبترولها عبر تركيا للوصول الى اوروبا. ولكن مع التغيرات الاقتصادية في العالم قد بدأت روسيا في تصدير غازها وبترولها للصين اكثر من لاوروبا وهذا قد يغير الخريطة السياسية تماماً بالنسبة لتركيا.
ولكن مازال الخط الثاني لنوردستريم يستكمل ولو انه يمكن تغير مساره الى سوريا ثم قبرص ثم اليونان بدلاً من تركيا لو استلزم الامر.
ومازال اردوغان يشتري الاسلحة من كل من امريكا وروسيا، ولكن هذا يغضب الاثنين لان كل واحد لا يريد منافس له او حتى لا يريد ان تقع اسلحته في ايدي غريمه.
هذا غير ان اردوغان بمغامرته الأخيرة في شرق المتوسط قد جلب على نفسه الوبال باستعداء كل من مصر واليونان وقبرص، وحتى فرنسا التي تقوم الان بمناورات بحرية مشتركة مع اليونان في المتوسط. وتدخله في شئون ليبيا الداخلية جلب عليه استياء من روسيا التي تساند خليفه حفتر بعد ان تخلت امريكا عن مساندته.
وقد تكون القشة التي تقسم ظهر البعير بالنسبة لاردوغان هي تهديده لامريكا انها لو فرضت عقوبات على تركيا جراء موضوع ابادة الأرمن فتركيا ستعيد التفكير في استئجار قاعدتين عسكريتين لامريكا على الأراضي التركيه، ومنهم واحدة بها عدد كبير من الرؤوس النوويه، والاخري في أقصى الشرق بها محطة تجسس كبيرة.
عموماً تصرفات اردوغان كانت داخلياً في تركيا او خارجياً مع العالم أصبحت تدل على تهور غير مسبوق يعرضه للكثير من الغضب من دول مختلفة في أنحاء كثيرة من العالم، ثم تحالفه مع بعض دول إخوانية معروفة بالإرهاب مثل قطر وباكستان وإندونيسيا وماليزيا في قمة يقال انها اسلاميه، يزيد من شك باقي العالم في نواياه بعد ان قام بإستعداء عدد كبير من الدول خصوصاً في الاتحاد الأوروبي.
لخص هذا الوضع الكساندر ماركوريس في الحلقة الاخيره من The Duran عندما شرح كل العدأت التي تمكن اردوغان من خلقها مع جميع دول المنطقه. في المقام الاول بدأ بقبرص واليونان وبذلك خلق عداء مع إيطاليا للدفاع عن مصالحها في التنقيب في مياه قبرص ومع فرنسا التي لها علاقات وطيده مع اليونان وعرضت الوقوف معها ضد تركيا.
وبالتالي سيتبعهما الاتحاد الأوروبي.
لقد استفز اردوغان ايضاً مصر التي تساند المشير حفتر لانه يحارب الاخوان في حكومة الوفاق وايضاً هناك اختلاف ايديولوچي بين مصر وتركيا لان الاخيرة تساند الاخوان. وأخيراً كل من روسيا وامريكا لديهم تحفظات على تركيا وتعاملاتها معهما، أمريكا في طريقها الى فرض عقوبات عليها وروسي بالرغم من تحفظها الشديد في لغة إدانتها لتصرفاته إلا انها غاضبة جداً انه قد يورطها في حرب ساخنة كما كاد ان يفعل في سوريا.
والجدير بالذكر ان حتى اسرائيل متخذه موقف عدائي من تركيا لان الأخيرة تساند حماس الإخوانية. ولذا تمكن اردوغان من ان يضع نفسه في مواجهة عدد كبير من دول شرق المتوسط ودول الاتحاد الأوروبي ناهيك عن تحالف الناتو واثنين من الدول النووية الكبرى.
وبذلك نري ان للمرة الثالثة بعد ترامب ونتنياهو ان اردوغان يستغل فكرة الحرب والاعتداء على الغير ونهب ثرواتهم كغطاء لمشاكله السياسية الداخلية التي تهدده بفقدان سلطته. فقاعدة منتخبي اردوغان يحثونه على الاستمرار في هذا النهج لأنهم يشاركونه الفكرة الخاطئة بان تركيا دولة عظمى ويمكنها تحدي كل هذه الدول وعمل اتحادات مع الدول الإخوانية والانتصار في اي حرب إقليمية، وهذا جزء من هذيان الخلافة التي يحلم بها، والتي تصور له إمكانية تحديه لامريكا والتعامل معها بندية، غير مدرك انه يعرض بلده لمخاطر كبيره يراها معارضيه في الداخل بوضوح.
ولذا فقد يكون لدى داوود أوغلو فرصة كبيرة للفوز في الانتخابات القادمة. او قد يقع انقلاب ناجح هذه المره على اردوغان بمساعدة دول خارجية، او حتى قد يقوم أحداً بإغتياله. يبدو ان اردوغان قد قرب الي نهاية طريقه السياسي داخلياً وخارجياً كنتيجة لتصرفاته الخرقاء.
لقد أصبحت ليبيا وشرق المتوسط النقطة الساخنه الان في العالم والموقف جد خطير لوجود مثل هذا المتهور في صدر المشهد. نتمنى فقط ان لا يجر العالم الى حرب ساخنة قبل ان ينتهي دوره السياسي.
حفظ الله العالم من الاشرار