د.فتحي حسين يكتب: اليوم العالمي للحرية و انتخابات نقابة الصحفيين

في مثل هذا اليوم من كل عام، يجتمع العالم أمام مرآة حرية الصحافة، فيرى بعضه البعض عاريًا من مساحيق الديمقراطية. لكن دعونا نكون واقعيين، لا أحد في الشرق الأوسط يحتاج مرآة ليرى الحقيقة، يكفي أن تفتح الأخبار لتشاهد صورة صحفي قتيل، أو صفحة بيضاء فارغة، أو شاشة سوداء أُطفئت عنوة.
خذ عندك غزة مثلًا: عدوان إسرائيلي لا يفرق بين طفل وصحفي، وكأن حامل الكاميرا صار في نظر الاحتلال مساويًا لحامل الصاروخ. سقط الصحفيون هناك لأنهم أرادوا أن يصرخوا في وجه العالم: هناك جريمة تُرتكب، وهناك وطن يُذبح. لكن العالم كان مشغولًا بعدّ الأصوات في انتخابات أوروبا ومعارك الرئاسة الأمريكية، وترك الدم ينزف في غزة بلا عقاب.
وفي القاهرة، على بعد آلاف الكيلومترات، خاض الصحفيون معركة من نوع آخر. معركة صناديق الانتخابات داخل نقابتهم، تلك النقابة التي كانت يومًا شوكة في حلق كل مستبد، قبل أن يحاول بعضهم تحويلها إلى جمعية تنمية بشرية. لكن أمس، حدث ما يشبه المعجزة: الجمعية العمومية، بكل اختلافاتها، اتفقت — نعم اتفقت! — على إسقاط مرشح الحكومة للمرة الثانية، ومنح الثقة لمرشح مستقل بإجماع غير مسبوق. وهو خالد البلشي نقيب الصحفيين للمرة التانية ،شيء لو قُدّر لتوفيق الحكيم أن يراه لكتب عنه مسرحية بعنوان عرس الديمقراطية.
وهنا الرسالة المدوية التي أرسلها الصحفيون إلى الحكومة تقول بوضوح: لا بديل عن حرية الصحافة، ولا يمكن أن يُوجَّه الصحفيون إلى ما يرفضونه. هؤلاء ليسوا قطيعًا يسير بالعصا، بل أصحاب رأي وقضية وقناعات، ومن أراد أن يتعامل معهم عليه أن يحترم هذا كله. نموذج انتخابات نقابة الصحفيين، بكل ما فيه من إرادة حرة وشفافية واحترام للمنافس، يجب أن يُدرَّس في كل مكان؛ لأنه أثبت أن أصحاب الأفكار المختلفة يمكنهم أن يجتمعوا في نقابة واحدة، تحت سقف واحد، بينهم كل الاحترام والتقدير، دون أن يُطلب من أحدهم أن يتخلى عن قناعاته.
وفي كل مرة يسقط صحفي وهو يدافع عن كلمة الحق — سواء في غزة أو في القاهرة أو في أي بقعة أخرى من العالم — فإنما يسقط واقفًا، لأن من يكتب من أجل إنقاذ وطنه من الخراب، ومن أجل فضح من تاجروا بالدين وسرقوا الثورة، ومن أجل كشف فساد الحكومات المستبدة، لا يموت أبدًا.
في اليوم العالمي لحرية الصحافة، لا نحتاج خطبًا ولا شعارات، يكفينا أن نتذكر أسماء الذين ضحوا بحياتهم لأجل الحقيقة، وأن نتعهد بأن نبقى نكتب ونكشف ونقاوم، حتى لا تتحول الصحافة إلى مرآة مكسورة لا تعكس سوى ظلال الخوف.