عايدة عوض تكتب : أزمة سد النهضة
مع مماطلة اثيوبيا في الوصول الى حل لمسألة ملئ وتشغيل سد النهضة، اضطرت مصر الى الضغط على اثيوبيا للالتزام ببنود الاتفاقية بينهما والسودان التي تنص على ادخال طرف رابع عند الوصول الى طريق مسدود في المناقشات.
ومنذ حوالى ٣ اشهر حدث ذلك وبمساعي امريكية تم جدولة النقاشات مره اخري بحيث تتم ٦ اجتماعات ٣ على مستوى الثلاث دول و٣ في واشنطن تجمع الدول المعنية والبنك الدولي لمتابعة تقدم هذه المناقشات. ولا تتدخل واشنطن في تقنية المناقشات بل تتبع التزام الأطراف وتستضيف الدول والبنك الدولي للجلسات الثلاث المقررة في واشنطن. ومن المقرر ان تكون الجلسة الاخيره في واشنطن في ١٥ يناير ٢٠٢٠ للأعلان عما وصلت اليه المناقشات.
المشكلة بين مصر والسودان من ناحية وإثيوبيا من ناحية اخرى بالنسبة لملئ وتشغيل سد النهضة هي مشكله تقنيه. تمس الاقتصاد بالنسبة لاثيوبيا والاقتصاد وجزء من الحياة بالنسبة للسودان، ومشكلة حياتية بالنسبة لمصر.
اثيوبيا شيدت هذا السد بالمخالفة للكثير من القوانين والاتفاقيات الدولية التى تحكم مثل هذه السدود بين دول تشترك في الأنهار في العالم. وذلك لان مياه الأنهار تعتبر منبع الحياة لبلاد المصب يمكن لبلاد المنبع ان تتحكم فيها بشكل يضر الاخرين.
وهذا تماماً ما يحدث الان بالنسبة للنيل الأزرق والذي يغذي حوالى ٨٠٪ من مياه مصر. وكان من المفروض ان تقوم اثيوبيا بتشييد عدة سدود تفى باحتياجاتها من الكهرباء وحتى بتصديرها ولن تعوق تدفق المياه الى السودان ومصر لملئ تلك السدود.
ولكن مع تدخلات من اسرائيل ومن دول معادية لمصر، اقتنعت اثيوبيا بان سد واحد كبير سيكون احسن لها اقتصادياً في توليد الكهرباء بحيث يمكنها تصديرها لأفريقيا بشكل اوسع ويزيد من دخلها بشكل ملحوظ. واحدى الدول التي يمكن تصدير هذه الكهرباء لها وباسعار زهيده هى السودان.
السودان لديها منبع اخر للمياه غير النيل وهي الأمطار الغزيرة ولذا اعتمادها الكلى ليس على مياه النيل في الحياة والزراعة. ولكنها محتاجه بشدة للكهرباء والتي سوف توردها لها اثيوبيا بأسعار زهيده وبذلك يمكن للسودان القيام بالتنمية المطلوبه للبلد. ولذا فالمشكلة للسودان هى نصفها اقتصادي ونصفها حياتي.
اما بالنسبة لمصر فالمشكلة حياتيه بالكامل. مصر لديها موارد طاقة كبيره من كل المحطات كانت تشغيلها من البترول او الطاقة النظيفة مثل الشمسية او الرياح او المياه وحتى مستقبلياً من الطاقة النووية. ولكن ينقصها المياه وتعتمد اعتماداً شبه كلياً على مياه النيل، وبالأخص مياه النيل الأزرق الذي يغزيها بما يقرب من ٨٠٪ من دخلها من المياه، ولذا فجدول ملئ خزان السد وطريقة تشغيله جزء حيوي بالنسبة للحياة في مصر.
المشكله تكمن في ان اثيوبيا تعاقدت مع عدة بلاد أفريقية لتوريد الكهرباء بأسعار معينه وفي توقيت معين وهذا كان على اساس انتهاء السد وملئه وتوليد الكهرباء منه لو كانت كل الظروف مواتيه وكان كل شئ يسير حسب الخطة الموضوعة.
ولم تأخذ اثيوبيا في الاعتبار اي ظروف غير مؤاتية مثل اى قلاقل داخلية تعطل بناء السد او اي مشاكل في التمويل او حتى اي مشاكل تقنية في البناء نفسه او حتى شح في كم المياه للدورة الطبيعية لسقوط الأمطار.
وطبعاً كل هذا حدث وتعطل تنفيذ السد وتأخرت اثيوبيا في التزاماتها لتوريد الكهرباء وهذا سبب لها أزمة اقتصادية. فما كان عليها الا وحاولت تقصير مدة تأخيرها في توريد الكهرباء الملتزمة بها باختصار توقيت ملئ السد بحيث يصل الى أقصى تشغيله في اقرب وقت ممكن. وهذا يعنى حجز المياه ورائه بكميات كبيره لسرعة الملئ. ومن هنا بدأت المشكله مع كل من السودان وبالأخص مع مصر.
كان الاتفاق المبدئي هو ملئ السد على ٦-٧ سنوات اخذين في الاعتبار سنوات الجفاف التي يقل فيها هطول الأمطار ، بحيث لا تؤثر على نصيب مصر والسودان في كم المياه الوارده لهما. ولم تكن هناك اي مشكله بالنسبة لاثيوبيا في ذلك عندما كان السد يبنى في ميعاده.
ولكن مع كل التأخيرات التي صادفته، والتي لا دخل لأي من مصر او السودان بها، شعرت اثيوبيا ان عليها ملئه بأسرع ما يمكن كي لا تخسر تعاقداتها على توريد الكهرباء مع الدول الأفريقية، ولذا قررت ان تملاء السد بأسرع ما يمكن وهذا يعني تقليل حصص كل من مصر والسودان من المياه. هذه مسألة حياة او موت بالنسبة لمصر.
حاولت مصر ايجاد حلول كثيره لهذه المشكله، حتى انها تفاهمت مع اثيوبيا على توريد احتياجات مصر من الأرز طوال سنوات ملئ السد كي لا تزرع مصر هذا المحصول وتوفر مياه زراعته تملاء اثيوبيا السد اسرع ولا تضار مصر لان اثيوبيا ستورد الأرز لمصر عبر البنك الدولي، ولكن لم يكن هذا كافي بالنسبة لاثيوبيا وارادت الاسراع الاكبر وحجز مياه اكثر.
ولكن هذا سيضر بمصر اشد الضرر إذ انه سيؤثر على الرقعة الزراعية وآثاره من تبوير أراضي، وايضاً سيؤثر على منسوب المياه وراء السد العالى وبالتالي على توليد الكهرباء التي تحتاجها مصر لتشغيل المصانع. ولذا سيكون انخفاض حصة مصر من المياه له أضرار وخيمة على الحياة في مصر عموماً.
وكل النقاشات بين البلاد الثلاثة تصب في جدولة ملئ السد وجدولة تشغيله بحيث لا يضر بمصالح البلاد المشتركة في النيل الأزرق. وللاسف وصلت هذه المناقشات الى طريق مسدود مره اخري لتعنت اثيوبيا والتي تعتبرها ضاره بالنسبة لها لو تأخرت اكثر من ذلك والتي تعتبرها مصر مميته لها لو طبقت كما تريد اثيوبيا.
ما الحل؟
اولاً هناك قوانين دولية حاكمه لكل هذه الاجراءات. وفي حالة سد النهضة قامت اثيوبيا باختراق العديد منها بما فيها دراسة الجدوى لبناء السد في المكان الذي اختارته وبالحجم الذي رست عليه لان هناك خطوره كامنه على البيئة لعدم ملأمة التربيه لثقل مثل هذا الحجم من السد. ولكن تجاهلت اثيوبيا كل هذا في سبيل الاسراع في بنائه.
وثانياً اخترقت القانون الدولى الحاكم لعلاقات دول المنبع ودول المصب بعدم الالتزام بما لا يضر بمصالح دول المصب ببناء هذا السد الضخم. وعندما بدأت المناقشات الجادة بين الدول الثلاثة كان السد قد بني نصفه وتمحورت النقاشات حول جدولة الملئ والتشغيل.
القانون الدولى هو الحاكم في مثل هذه الظروف. وعندما تصل المناقشات الى طريق مسدود فالاتفاقية نفسها تحدد الخطوات التي من المفروض ان تتخذ للوصول الى حلها.
وبما ان الوضع الان وصل الى تعنت صريح من جهة اثيوبيا وهذا التعنت ويهدد الحياة في مصر فسوف تتخذ مصر الخطوات القانونية التي تحافظ على حقها في الحياة. وكلها منصوص عليها في الاتفاقيات وفي القانون الدولي وحتى طرق تنفيذها. وهذا ليس تهديداً بل هو التطور الطبيعي لاي موقف خلافي كان بين أفراد او بين دول عندما لا يلتزم طرف بالقانون ويصل الى الإضرار بحقوق الغير.
مصر تتخذ كل الخطوات الصحيحة للوصول الى حقها في مياه النيل والتي تعني الحياة بالنسبة لها. وسوف تتخذ كل الخطوات وفي توقيتها الصحيح لتنفيذ القانون الذي يحافظ على حقها في الحياة.
ثقتى كاملة في وعي ونزاهة ووطنية القيادة وفي قدرات مصر الديبلوماسيه والقانونية والعسكرية للوصول الى الحفاظ على حقوق مصر وفي تطبيق وتنفيذ القانون الدولي.
تحيا مصر