ماجدة حسانين تكتب : جموح
الليل فيه سر نعشقه ، سر يواري سوءاتنا سر عميق في نفوس البشر وربما كل المخلوقات الليل يضفي على الأشياء لمسة ساحرة
المضاجعة بالليل لها طعم غير تلك التي تحدث بالنهار
في النهار عجلة وسرعة وضجيج والليل يشق صلاده سواده آهات اللذة أو ضحكات اللقاء على النيل
متوشح بالسواد ليمنح العيون فرصة للاسترخاء من صخب الشمس
ربما توشح الأسود منذ قديم الأزل حداداً على أول روح قتلت على الأرض واستمر حداده حزناً على استغلاله في جرائم عديدة .. فالليل ستار
وهذه الليلة كان سوادها كبير تأثراً لما حدث لآمال
ذات الخنوع بصوته الهادئ
لم تنم طوال الليل إثر حزنها على نفسها تضمد جرح فمها أمام المرآة في غرفة الأبناء بعدما رفضت مشاركة غرفتها وسريرها بجانب عبد الرحمن الذي رجع متأخراً حاول أن يعتذر لها عم حدث وطلبها للتمتع رفضت مندهشة لبرودة أعصابه واستسهاله للموقف المهين وقبل خروجها من الغرفة زادها حسرة وخيبة قوله
انتي عارفة ان الملايكة بتبات تلعن في الزوجة اللي عاوزها جوزها وترفض !
صفقت الباب رفضاً له ورفضا لما قاله رادة بغضب
وياتري مفيش حديث اتقال فيه موقف الملايكة من الأزواج اللي بيضربوا زوجاتهم مفيش حديث قال عن لعن الزوج اللي بيمتنع عن مراته!!
ما إن شعرت بالضيق يزداد في صدرها ، صدرها المعروف بإتساعه وخضرته
فتحت نافذة الغرفة بالقدر الذي يدخل لها نسمات هي بحاجة إليها
ممنوعة من فتح نوافذ شقتها بأمر من السجان
وليلتها الليلاء كشفت عن حقيقة كونها سجينة
والسجين يقضي فترة حكمه آملا بإنقضاء المدة وانتظار الفرج ، تهز رأسها كمن يأس من طول مدة السجن جاهلاً بموعد الإفراج عنه
الساعات الأولى من بعد الفجر بها سحر لا يقل غموضا من أسرار الليل
تنظر للشارعين الطويلن الذي يقف بيتها على ناصيتهما تتأمل السكون والمارة القليلون
على كتفي المدينة تثقل وطأة اليأس
تمشط شوارعها وترتل كل آيات الصبر
موحشة المدينة ك اللحظات الأولى بعد الدفن
الموت جاء بطعنة للقلب في طوابير الخبز
أو من رصاصة غدر لجندي معيل لأرملة وكوم لحم ، المدينة أم .. تلطم الخد وتشق الجيب
وترثي السند ، والسند الحقيقي ينظر من خلف سمواته .. يهتز العرش
لا معنى لإهتزازه !!
ألم يُكتب المشهد في اللوح !
إهتزاز لحظي سرعان ما يهدأ ، ثم .. لا شئ
يعاد المشهد .. كلاكيت المرة .. ترى رقم كم !!
ضحكات خليعة من شارع ضيق
بسرعة لا يسجلها الوقت تخطف من بين يديه مئتي جنيه تسعيرة قبلتها لقاء ساعة عارية معه
تهرول وتلتهم الشارع الطويل بقدمين جائعتين
تسأل سائق الأجرة عن أقرب صيدلية لتبتاع دواء الضغط ..
الفقر المسبب للضغط ، لأم بائعة هوى تبيع الجسم لتشتري من الله صحة جسم .. الوسيلة مكرهة عليها .. ليس باليد حيلة ” وكأن كل الحيل لا تعرف الدين والعرف “
مقفلة الصيدلية ، والدواء بعيد .. والشفاء عند الله
الذي يشاهد الأمر وملائكته وآمال
التي تشهق حزناً على حزنها
إلى ما آل إليه الوضع .. يخطر على بالها أن الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها
كم من الحرائر أرغمهن الفقر وعرين الاثداء والأعضاء والمقابل مهما زاد بخس
ترفض الوسيلة وتتعاطف مع غاية تلك المسكينة
ويبكيان
بكاء الحاجة . بكاء الفقر .. بكاء الضر
والجميع جثث
يبث الراديو صوت رخيم لفاروق شوشة
صوته الذي أضفى لبرنامجه لغتنا الجميلة تفرد وجمال مردد ابيات من الشعر
” لا تلق إلا بليل من تواصله … فالشمس نمامة والليل قواد
كم عاشق وظلام الليل يستره … لاقى الأحبة والواشون رقاد “