الدكتور حسنى ابوحبيب يكتب : علامات دعاة الحق
وداعياً إلى الله بإذنه” [ اﻷﺣﺰاﺏ: 46] نعم كل شيء بإذنه حتى الدعوة إليه ، فلن يدعو أحد إلى سبيله إلا بعد أن يأذن له ويرتضيه لدعوته ، فالدعوة إليه سبحانه شرف ما بعده شرف ولن يجني أحد ذلك الشرف إلا بعد اصطفاء منه تعالى واجتباء ، وما دعى إليه داعٍ إلا بعد أن اصطفاه وأذن له ، انظر معي تلك الآيات وتأملها: “اﻟﻠﻪ ﻳﺼﻄﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺭﺳﻼ ﻭﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ” [ اﻟﺤﺞ: 75] ، “ﺇﻥ اﻟﻠﻪ اﺻﻄﻔﻰ ﺁﺩﻡ ﻭﻧﻮﺣﺎ ﻭﺁﻝ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻭﺁﻝ ﻋﻤﺮاﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ”[ﺁﻝ ﻋﻤﺮاﻥ: 33] . “ﻭﻟﻘﺪ اﺻﻄﻔﻴﻨﺎﻩ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ” [ اﻟﺒﻘﺮﺓ: 130] . “إني اصطفيتك على اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺮﺳﺎﻻﺗﻲ ﻭﺑﻜﻼﻣﻲ” [ اﻷﻋﺮاﻑ: 144] . “ﻭاﺫﻛﺮ ﻋﺒﺎﺩﻧﺎ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻭﺇﺳﺤﺎﻕ ﻭﻳﻌﻘﻮﺏ ﺃﻭﻟﻲ اﻷﻳﺪﻱ ﻭاﻷﺑﺼﺎﺭ ﺇﻧﺎ ﺃﺧﻠﺼﻨﺎﻫﻢ ﺑﺨﺎﻟﺼﺔ ﺫﻛﺮﻯ اﻟﺪاﺭ ﻭﺇﻧﻬﻢ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻟﻤﻦ اﻟﻤﺼﻄﻔﻴﻦ اﻷﺧﻴﺎﺭ” [ ﺻ: 45- 47].
ﻓﻜﻞ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺎﺕ ﺩاﻟﺔ ﻋﻠﻰ أن الموصوفين ﺑﺎﻻﺻﻄﻔﺎء ﻭاﻟﺨﻴﺮﻳﺔ هم فقط من يدعون إلى الله على وجه الحقيقة ، ولا شك أن لهم علامات يعرفون بها دون غيرهم ، من تلك العلامات:
أولها: أنهم يدعون للمصالح العامة لا الخاصة ، وما ذلك إلا لأنهم بعثوا واختيروا لهداية الناس أجمعين ولنفع جميع الخلائق ، من هنا نراهم يحزنون الحزن الشديد على من حاد عن الصراط المستقيم ويدعون له لا عليه ، “لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين” [ اﻟﺸﻌﺮاء: 3].
ثانيها: حب الخير للناس أجمعين ، لأنهم علموا أن إيمانهم لا يستقر في قلوبهم إلا بعد تمكن ذاك الحب منه ، “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
ثالثها: يسترون ولا يفضحون ، لطلبهم ستر الله ولعلمهم أن ستر الله لمن ستر عباده ، “من ستر مسلماً ستره الله” ، ومفهوم المخالفة يحذرنا من فضح الناس فمن فَضَح فُضِح ، “من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته”.
رابعها: يتهمون أنفسهم ويلتمسون الأعذار لغيرهم ، لإيمانهم بأن أصل كل معصية وإثم الرضا عن النفس وأصل كل طاعة وبر عدم الرضا عنها ، ولجاهل لا يرضى عن نفسه خير من عالم يرضى عنها. ولأنهم يعلمون أن الناس صنفان مبتلى ومعافى وواجب الدعاة أن يرحموا أهل البلاء وأن يحمدوا الله على العافية.
خامسها: التيسير والتبشير ، ليقينهم بأن الداعية إنا ابتعثه الله وأذن له لييسر ويبشر ، “بشروا ولا تنفروا ، ويسروا ولا تعسروا” ، ورحم الله سفيان الثوري عندما قال: “الرخصة لا تؤخذ إلا من عالم وإلا فالتشدد الجميع يحسنه”.
سادسها: فتح باب الأمل بعد الدعوة للعمل ، لأنهم علموا أن اليأس يساوي الكفر ، “ولا تيأسوا ﻣﻦ ﺭﻭﺡ اﻟﻠﻪ ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﻴﺄﺱ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ اﻟﻠﻪ ﺇﻻ اﻟﻘﻮﻡ اﻟﻜﺎﻓﺮﻭﻥ” (يوسف: 87) ، كما أن القنوط بمثابة الضلال ، “ﻭﻣﻦ يقنط ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺭﺑﻪ ﺇﻻ اﻟﻀﺎﻟﻮﻥ” (الحجر: 56).
سابعها: تذكير الناس بنعم الله تعالى عليهم ، إيماناً وعملاً بقوله تعالى: “ﻭﺫﻛﺮﻫﻢ ﺑﺄﻳﺎﻡ اﻟﻠﻪ” (إبراهيم: 5) ، أي بأياديه ونعمه ،
فهؤلاء هم الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباده إليه ،
فمتى عرف العباد نعم الله عليهم أحبوه ومتى أحبوه شكروه والله لا ريب منعم يحب من يشكره كي يزيده من محبته ونعمه.
إلى غير ذلك من صفات بها يعرف الداعي إلى الله تعالى بحق ممن يدعو لنفسه وهواه ومصلحته من أولئك الذين يتاجرون بدين الله تعالى ، الذين يغدون ويروحون بدرهمين فراش نار وذبان طمع يبيع أحدهم دينه بثمن العنز ، تسمع لهم حسيسا ولا ترى منهم أنيسا ، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون عكس ما يقولون ، يفرقون ولا يجمعون ، يذكرون المعايب والسيئات ويكتمون الميزات والحسنات ، يحرضون الناس على الخروج وهم قعود ، ويطالبونهم بالبذل وهم جحود ، ترى لهم في كل زمن علامة بل علامات ، أخبرنا بها نبينا كي نحذرهم ، وعلاماتهم عكس العلامات التي ميز الله بها دعاة الحق مما ذكرتها آنفاً ، وانظر كتاب الله تعالى وتأمل سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تجد الأدلة عليهم واضحة كل الوضوح.
ختاماً ما أريد قوله إن من واجب الدعاة اليوم الذين حرموا من منابرهم ومحاريبهم بسبب هذا الوباء ، أن يجأروا إلى تعالى بالدعاء وأن يتضرعوا له كي يأذن لهم بالعودة إلى مساجدهم مرة أخرى فكلٌ بإذنه.
اللهم إنا نتضرع إليك خاشعين ندعوك يا ربنا أن تأذن لنا بالعودة لبيوتك وللدعوة إليك فلا تردنا خائبين واجبرنا بإذنٍ منك بالعودة لمنابرنا ومحاريبنا ، فاللهم يا ذا المن والجود لا تحرمنا من الدعوة إليك ما حيينا ولا تحل بيننا وبين بيوتك أبدا ، واكشف عنا الكرب ، واصرف عنا البلاء والوباء واشفنا من كل داء يا رب الأرباب ويا مالك الملك إنك على كل شيء قدير. وصل اللهم وسلم عل سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.