وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم يكتب : غاية كل مؤمن ومنارات هداية الضال
لا ريب أن رضا الله ورسوله غاية كل مؤمن ومقصوده ، فهو غاية الغايات ومنتهى النهايات ، وهو الفوز الذي وصفه الله تعالى بالعظيم ، به يفوز المؤمن بمراده ، ويسعد في ميعاده ، عليه مدار القبول.
فلا يسعد إنسان إلا به ، ولا يشعر بنعمة إلا بسببه ، ولا يفرح فَرِحٌ إلا بعد أن يناله ممن بيده ، حتى إن أهل الجنة في جنانهم لا يحسون بنعمة ، ولا يشعرون بلذة إلا بعد أن يتجلى الله عليهم به ، ولا يرضى مخلوق إلا بعد أن يجود الخالق به عليه ، قانون ثابت ، ووعد صادق ، اقرأ قول الله تعالى: “رضي الله عنهم ورضوا عنه” (المائدة: 119 ، التوبة: 100 ، المجادلة: 22 ، البينة:8).
ولرضا الله ورسوله سبل توصل المريد وتأخذ السالك ، ومنارات تهدي الضال ، وترشد القاصد ، وأسباب من استمسك بها وصل ، كلها بينها لنا ربنا في كتابه ، وأرشدنا إليها نبينا في سنته ، منها:
1_ الصدق ، فلن يرضى إلا صدوق ، قال تعالى: “ﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ ﻫﺬا ﻳﻮﻡ ﻳﻨﻔﻊ اﻟﺼﺎﺩﻗﻴﻦ ﺻﺪﻗﻬﻢ ﻟﻬﻢ ﺟﻨﺎﺕ ﺗﺠﺮﻱ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ اﻷﻧﻬﺎﺭ ﺧﺎﻟﺪﻳﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺑﺪا ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻭﺭﺿﻮا ﻋﻨﻪ ﺫﻟﻚ اﻟﻔﻮﺯ اﻟﻌﻈﻴﻢ” (المائدة: 119).
والصدق على ثلاث مراتب:
أعلاها الصدق مع الله ورسوله ، ويكون بالتزام الأوامر واجتناب النواهي ، وتقديم أمرهما على أمره ، واختيارهما على اختياره ، ومرادهما على مراده ، وهكذا ، لصدقه معهما وتصديقه بوعدهما.
ثم يأتي بعد ذلك الصدق مع النفس ، ويكون بالمكاشفة والمصارحة والمناصحة معها ، فمن صدق مع نفسه سَهُل عليه الصدق مع غيره ، أما من كذبها فهو لغيرها أكذب ، وإنه لشر أنواع الكذب أن يكذب الإنسان نفسه.
ثم تأتي المرتبة الثالثة وهي الصدق مع الخلق ، وتكون بملازمة الصدق مع كل الناس ، وهي وصية الله للمؤمنين ، “ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا اﺗﻘﻮا اﻟﻠﻪ ﻭﻛﻮﻧﻮا ﻣﻊ اﻟﺼﺎﺩﻗﻴﻦ” (التوبة: 119).
2_ الاتباع الكامل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولصحابته والاهتداء بسلفنا الصالح ، قال تعالى: “ﻭاﻟﺴﺎﺑﻘﻮﻥ اﻷﻭﻟﻮﻥ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻭاﻷﻧﺼﺎﺭ ﻭاﻟﺬﻳﻦ اﺗﺒﻌﻮﻫﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻭﺭﺿﻮا ﻋﻨﻪ” (التوبة: 100).
3_ الإيمان بالله تعالى والوفاء بعهده الذي أخذه على عباده ، “ألست بربكم” ، وطهارة القلوب من كل سيء مكروه ، وسلامة الصدور من كل قبيح مشبوه ، قال جل شأنه: “ﻟﻘﺪ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺇﺫ ﻳﺒﺎﻳﻌﻮﻧﻚ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﺠﺮﺓ ﻓﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ” (الفتح: 18).
4_ الموادٌة في الله ، والمعاداة فيه ، فلا نحب ولا نكره إلا في الله وبالله ، فلا نكرم إلا من أكرم الله ولا نهن إلا من هان عليه أمر الله ، فلا ودٌ لمن حادٌ الله ورسوله ، قال سبحانه: “ﻻ ﺗﺠﺪ ﻗﻮﻣﺎ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭاﻟﻴﻮﻡ اﻵﺧﺮ ﻳﻮاﺩﻭﻥ ﻣﻦ ﺣﺎﺩ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﺁﺑﺎءﻫﻢ ﺃﻭ ﺃﺑﻨﺎءﻫﻢ ﺃﻭ ﺇﺧﻮاﻧﻬﻢ ﺃﻭ ﻋﺸﻴﺮﺗﻬﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻛﺘﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺃﻳﺪﻫﻢ ﺑﺮﻭﺡ ﻣﻨﻪ ﻭﻳﺪﺧﻠﻬﻢ ﺟﻨﺎﺕ ﺗﺠﺮﻱ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ اﻷﻧﻬﺎﺭ ﺧﺎﻟﺪﻳﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻭﺭﺿﻮا ﻋﻨﻪ” (المجادلة: 22).
والحكم في هذا ينبغي أن يكون لسلطان القلوب ، أما الجوارح فلها سلطان آخر ، فلا ظلم ولا بغي إلا لمن ظلم أو بغى ، فلا ينبغي أن يحمل كره كارهٍ لإحد على ظلمه ، إيماناً واستجابة لقوله تعالى: “ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻛﻮﻧﻮا ﻗﻮاﻣﻴﻦ ﻟﻠﻪ ﺷﻬﺪاء ﺑﺎﻟﻘﺴﻂ ﻭﻻ يجرمنكم ﺷﻨﺌﺎﻥ ﻗﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا اﻋﺪﻟﻮا ﻫﻮ ﺃﻗﺮﺏ ﻟﻠﺘﻘﻮﻯ ﻭاﺗﻘﻮا اﻟﻠﻪ ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﺧﺒﻴﺮ ﺑﻤﺎ ﺗﻌﻤﻠﻮﻥ” (المائدة: 8).
5_ الإيمان المقترن بالعمل الصالح والخشية لله ، قال خير من قال: “ﺇﻥ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻭﻋﻤﻠﻮا اﻟﺼﺎﻟﺤﺎﺕ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻫﻢ ﺧﻴﺮ اﻟﺒﺮﻳﺔ * ﺟﺰاﺅﻫﻢ ﻋﻨﺪ ﺭﺑﻬﻢ ﺟﻨﺎﺕ ﻋﺪﻥ ﺗﺠﺮﻱ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ اﻷﻧﻬﺎﺭ ﺧﺎﻟﺪﻳﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺑﺪا ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻭﺭﺿﻮا ﻋﻨﻪ ﺫﻟﻚ ﻟﻤﻦ ﺧﺸﻲ ﺭﺑﻪ” (البينة: 7 ، 8).
6_ الرضا بما قسم الله ، والقناعة بما أعطى ، والصبر على بلائه ، والحمد على نعمائه ، قال صلى الله عليه وسلم: “ﺇﻥ ﻋﻈﻢ اﻟﺠﺰاء ﻣﻊ ﻋﻈﻢ اﻟﺒﻼء ، ﻭﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﺇﺫا ﺃﺣﺐ ﻗﻮﻣﺎ اﺑﺘﻼﻫﻢ ، فمن رضي فله اﻟﺮﺿﺎ ، ﻭﻣﻦ ﺳﺨﻂ ﻓﻠﻪ اﻟﺴﺨﻂ” (رواه الترمذي وابن ماجة عن أنس بن مالك).
إلى غير تلك الأسباب الآخذة إلى رضى الله تعالى ورسوله.
يتبع بمشيئة الله تعالى.
فاللهم ارض عنا وأرضنا واجعلنا راضين مرضيين يا رب العالمين.
الدكتور حسنى ابوحبيب