دين و دنيا

د.حسنى ابوحبيب يكتب : العلم والحلم ودعاة الحق

“بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون” (الأنبياء: 24).هذا قول كريم يبين للعالمين أن المعرضين عن الحق والمعارضين له أكثرهم جهلوه فلم يعلموه ، لذا حادوا عنه وعاندوه ، ومن ثمٌ وجب على دعاة الحق والقائمين عليه أن يبينوه ويوضحوه بشتى الطرق ومختلف الوسائل.

والدعوة إلى الحق تحتاج لأمرين لا يقوم أحدهما بدون صاحبه ، أولهما: العلم ، وثانيهما: الحلم.

أما العلم ، فلا بد لمن يتصدر الدعوة إلى الحق أن يكون على علم به ، وإلا صار كأعمى يقود عميانا ، وأنٌى لأعمى أن يقود ، ففاقد الشيء لا يعطيه ، لذا اختار الله تعالى من اختارهم لهداية البشر _ عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم _ على علم ، “ولقد اخترناهم على علم” (الدخان: 32). وفصٌل ما أنزله عليهم على علم “ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم” (الأعراف: 52).

وقد خسر الحق كثيراً وخسرت أمته عندما تصدر فيها الأنصاف في كل مجال ، لا سيما في مجال الدعوة إلى الحق ، فألبسوا على الناس دينهم ، وضيعوا عليهم حقوقهم ، فكانوا كلما دعوا إلى حق علا باطل ، وما دافعوا عن قضية إلا خسروها ، ‏وما ذاك إلا لجهلهم بالحق وبعدهم عن سبيله.

أما الحلم ، فلا بد للداعي إلى الحق من حلم وأناة وصبر وجلد ، لذا ما من نبي بعثه الله تعالى إلا وأمره بالصبر والأناة ، وقد تكرر الأمر بالصبر في القرآن الكريم أكثر من عشرين مرة كلها موجهة لمن اصطفاهم الله للدعوة إلى الحق ، وقد أمر رسولنا الكريم بصبر من نوع خاص ألا وهو الصبر الذي لا جزع فيه ولا شكوى معه ، “فاصبر صبراً جميلاً” (المعارج: 5).

إذن لا بد للداعي إلى الحق من علم وحلم ، ولا يغني أحدهما دون الآخر.

هذا في شأن الدعاة إلى الحق ، أما المعاندون له ، فهم أصناف شتى ، منهم ما هو قابل للهداية ، ومنهم من صرفه الله عنه.

• أما الصنف الذي جهله فعانده ، فهذا الصنف قابل للهداية ، منتفع بإذن الله تعالى بالدعوة ، وهؤلاء هم المعنيون بقوله تعالى: “بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون” والحمد لله أنهم الكثرة ، وبمجرد ما يعرض عليهم الحق بطريقة صحيحة من عالم به تنفتح قلوبهم له ، كما فعلت الجن عندما سمعت القرآن الكريم من رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فما وسعها أن قالت: “وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به” (الجن: 13). ومنهم الكثيرون ممن سمعوا فآمنوا ، ولا يزال الكثيرون منهم إلى أن تقوم الساعة يسمعون فيؤمنون.

• أما الصنف الآخر فهم الجاهلون المتكبرون ، الذين عرفوا الحق فأنفوا من اتباعه ، وهؤلاء هم الذين شاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ، “ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى” (النساء: 115).

أيضاً استكبروا عن اتباع الحق فصرف الله قلوبهم عنه ، “سأصرف عن آياتي الذين يتكرون في الأرض بغير الحق” (الأعراف: 146).

وختاماً فواجب دعاة الحق أن يعلموا الحق أولاً ، ليعبٌدوا طريقه أمام غيرهم ، كذلك عليهم أن يتحلموا فإنما الحلم بالتحلم ، ليدلوا الناس بحلم وأناة إلى الحق.

كما يجب عليهم أن يعرفوا من يدعونهم ، ومن أي صنف هم ، حتى لا يضعوا الشيء في غير موضعه فيتعبون أنفسهم بلا طائل ، فربنا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: “فذكر إن نفعت الذكرى” (الأعلى: 9).

علمنا الله وإياكم الحق ودلنا على سبيله ، فاللهم دلنا عليك لندخلقك عليك ، وعرفنا بك كي نعرف خلقك بك ، واهدنا واهد بنا واجعلنا هداة مهديين.وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

زر الذهاب إلى الأعلى