الدكتور عبدالله المصرى يكتب: دور المصريين في بناء الكعبة

 

عرف قدماء المصريين ( الفراعنة) عبادة الحج حيث كانوا يحجون إلي كعبة أون في معبد أون بهليوبوليس ( عين شمس) وكان بها مرصد لقبة السماء ومن أون خرجت رسالة التوحيد والعقيدة التي عرفتها البشرية في سنة ٩٥٠٠ ق.م كما ورد في قوائم المؤرخ المصرى القديم ” مانيتون” الكاهن الأكبر لمعبد أون والذى سجل وقسم وحدد تاريخ الأسرات الحاكمة لمصر الفرعونية ،وبناء علي هذا التقويم المصرى الكهنوتي أن رسالة التوحيد والعقيدة خرجت من أون منذ ١٢٥٠٠ سنة ، واستمرت كعبة أون ورسالة التوحيد الأولي حوالي ألفي سنة كما ورد في وثائق المؤرخ ” شنسللو ” بعدها هدم المغيرون معبد أون والجزء الأعلي من الكعبة ،ثم عادت رسالة التوحيد والعقيدة في عصر الأهرامات ورمز للإله الأوحد بقرص الشمس ” رع” ،وعندما هدمت كعبة أون حج قدماء المصريين إلي كعبة منف التي بناها ” امحوتب” والذى بني المرحلة الأولي من الهرم الأكبر ، وكعبة منف هي هرم ميدوم في عصر بناة الأهرامات ، ويطوف الحجاج حوله سبع أشواط بعدد السماوات السبع التي يجلس الإله علي عرشها .

وخرجت رسالة التوحيد من مصر لأول مرة ألي خارجها عند قيام ثورة الرعاع في عصر الاضمحلال في سنة ٢٢٨٠ ق.م في أعقاب الأسرة السادسة و نهاية الدولة القديمة ، وعرفت بالثورة الشيوعية أو ثورة منف كما ذكر عالم المصريات ” الدكتور سيد كريم ” ،وكما وصفتها برديات” الحكيم ايبيور” بأنها ثورة علي الدين ، وإغلاق المعابد ، ومنع الشعائر الدينية ، وحرق المقدسات ، وتشريد الكهنة ومطاردتهم وأتباعهم ، فهرب الموحدين من أهل منف إلي الصحراء الشرقية وعبروا البحر الأحمر إلي الجزيرة العربية وعرفوا بأهل منف أو العماليق أو العمالقة ،وأطلق عليهم الفراعنة ” جرهم” ومعناها بالعربي ” مهاجرو مصر ” ، وهم القبائل الذين نسب إليهم بناء الكعبة في إحدى مراحلها بعد ان نزلوا مكة وأطلقوا عليها ” باكا ” بالهيروغليفية وتعني ” أمان الروح ” ، وأطلق عليهم أهل الجزيرة العربية ” بنو مناف” و ” أهل كنانة ” .

ولجأت السيدة هاجر أم إسماعيل ( عليه السلام ) إلي جرهم عندما تركهما سيدنا إبراهيم ( عليه السلام ) لإنها لا تعرف لغة العرب فبحثت عن جرهم ( المصريون مثلها) لتعيش معهم وتفهمهم ، وقاموا بإيوائها ، وكانت جرهم أو العماليق عندما وصلوا الي مكة أو باكا بنوا بيت الرب ( الكعبة) مثل معبدهم كعبة منف المعروف بهرم ميدوم ووضعوا حول الكعبة أصنام : اللت( اللات) ،وعزت ( العزى ) ، ومن أو مني ( مناة ) وهي آلهة : الخلق ، والخير ، والتناسل لتحمي الكعبة وهذه الأصنام ذكرت في القرآن الكريم فقال تعالي ” أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثي ” ( النجم ١٩- ٢١ ) ، وحطمها إبراهيم ( عليه السلام ) وفي قوله تعالي :” وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن تعبد الأصنام “( إبراهيم ٣٥) .

وفي الهجرة الثانية لقدماء المصريين إلي الجزيرة العربية من الموحدين أتباع “اخناتون ” في سنة ١٣٥٨ق.م عند قيام ثورة كهنة الإله” آمون ” وعرفت بثورة تل العمارنة وقتلوا ” اخناتون” وطاردوا أتباعه الموحدين ،وحرقوا معابدهم ،وحطموا كعبته
في تل العمارنة ، فهاجر أتباعه ألي مكة ( بكة أو باكا) للحاق ببني منف ( مناف) وعشائر جرهم حول الكعبة ، وأطلق عليهم السابي أو الساب بالهيروغليفية وتعني أهل الحق والعدالة ، وعرفوا بالصابئة، ونقلوا لمكة الركوع والسجود والدعاء والطواف سبع مرات حول الكعبة وهي من تعاليم رسالة ( اخناتون) .

ومازال الصابئة يحجون ويزورون الكعبة الي الآن وذكروا في القرآن الكريم في قوله تعالي :” إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون “( البقرة ٦٢) ، فالصابئة هم أتباع اخناتون الموحدين ويعيش منهم الي الآن ٢٠ الف نسمة في العراق ، ويسمي كتابهم المقدس ” الكنز الكبير ” وينسبونه الي “آتوم ” أي ” آدم ” ( عليه السلام ) ومن أنبيائهم النبي المصرى ” إدريس ” ( عليه السلام ) .

ولم تنقطع زيارات قدماء المصريين للكعبة وأشار الأثرى الكبير الدكتور سليم حسن ،والأستاذ عبدالحميد جودة السحار ، والمؤرخ بترى في أبحاثهم إلي زيارة قدماء المصريين للكعبة في أعياد منف ،وأعياد اخناتون ومن أشهرها: زيارة موسي بمرافقة النبي شعيب ( عليهما السلام ) قبل نزول رسالة التوراة عليه وكان من أتباع عقيدة اخناتون التوحيدية ، كما قام قائد جيوش الملك رمسيس الثاني بالحج للكعبة وكان ينتمي للموحدين ، وأرسلت معه زوج رمسيس الثاني كسوة للكعبةليرفعها علي حوائطها قربانا للإله فكانت أول كسوة للكعبة وكانت من المؤمنين الموحدين.

واجمعت المصادر القديمة أن الكعبة الشريفة بنيت عشر مرات في أزمنة مختلفة وظروف متباينة : بنتها الملائكة ، ثم آدم ( عليه السلام ) وساعده الملائكة ، ومن بعده ابنه شيث بمساعدة أبنائه ، ثم رفع قواعدها إبراهيم بمساعدة ابنه إسماعيل ( عليهما السلام ) كما ورد في القرآن الكريم ، ومن بعده العماليق أو العمالقة ( المصريون) ، ومن بعدهم جرهم ( مهاجرو مصر ) ، ثم قصي بن كلاب ، ثم قبيلة قريش ، ثم عبدالله بن الزبير ، ثم الحجاج بن يوسف الثقفي بعد أن هدمت بالمجانيق أثناء القضاء علي ثورة عبدالله بن الزبير ضد الدولة الأموية .

وفي العصر الحديث قام الصديق العزيز كما روى لي الدكتور سيد كريم رائد تخطيط المدن ( رحمه الله ) سنة ١٩٥٧م بتخطيط مدينة مكة والمدينة المنورة ، وتخطيط توسعة البيت الحرام وادخل الصفا والمروة للبيت الحرام وسقف الطريق بينهما بعد أن رأى الباعة الجائلين ، والمتسولين ، والمشردين، والمرضى ، يفترشون جانبي الطريق ، بتكليف من الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود حاكم منطقة الحجاز آنذاك ( قبل أن يكون ملكا للسعودية ) وبمتابعة ابنه الأمير عبدالله الفيصل وزير الداخلية حينئذ ، ورفض الدكتور كريم أن يتقاضى أجره ( حسبة لوجه الله ) وكذلك المعلم محمد بن لادن المقاول المنفذ وقال للأمير فيصل عندما سأله عن أتعابه :” إذا كان الدكتور السيد الكريم خطط مكة وتعمير بيت الله ورفض أية أتعاب فكيف أطالب بأتعاب عن تطهير بيت الله ” ،وفي عام ١٩٩٣م قام الدكتور محمد كمال إسماعيل المعمارى المصرى القدير بعمل التصميمات المعمارية لتوسعة الحرمين الشريفين ، وأقام حائط حول البقيع أمام المسجد النبوى في المدينة المنورة ..طوبي للبنائين المصريين من المهندسين و العمال ،بناة البيت العتيق ..الكعبة المشرفة (زادها الله تشريفا وتعظيما ) .. وجزاهم الله كل خير .

زر الذهاب إلى الأعلى