الناس لديها قلق شديد مما يدور حول موضوع سد النهضة .. هو قلق مشروع بالطبع لأنه أمر خطير مرتبط بحياتهم باختصار شديد .. السؤال الذي شغل بال كثيرين ولم تظهر له إجابة حتى الآن : لماذا لم تدمر مصر السد وتنهي الأزمة ما دامت تصرح أنها قادرة ؟! ..
لا أدعي معرفة بواطن الأمور فلست خبيرا استراتيجيا ولا محللا عسكريا لكني أتكلم كمواطن عادي يحس بما يحس به المصريون جميعا من خلال نسق الفرد وليس نسق المسئول ..
فحسب نسق الفرد أنا وأنت نستطيع ونحن مستلقون على أريكة أو كنبة مريحة أن نوقف المعاهدات أو نقطع العلاقات ونعطل الصفقات أو حتى نعلن الحرب ولن يسألنا أحد في شيء .. أما لو كنت مسئولا فلن يرحمك أحد لو تركت بالوعة صرف في أحد الشوارع سدت بالورق وأكياس البلاستيك ولم تسلكها قبل نزول المطر ! .. هذا هو الفارق ..
سمعت هذه الكلمة للمرة الأولى من الرئيس السيسي .. نسق الفرد ليس كنسق المسئول .. فهمت منها أنه رجل دولة من الطراز الرفيع .. يفكر للمجموع كما يفكر للفرد .. يهتم بالمستقبل كما يهتم بالحاضر وربما أكثر ..
انطلاقة الدولة المصرية نحو التنمية على هذا النحو المتسارع بعد 30 يونيو شكل قلقا كبيرا لدول كثيرة أولها إسرائيل بالطبع ( العدو الاستراتيجي الدائم ) .. فهي دولة لا تريد لمصر أن تفيق أبدا وأسهل طريق لعرقلتها هو جرها إلى حرب تستنزف قوتها وجيشها والأهم أن توقف عجلة النمو الدائرة على أرضها الآن .. وفي المنطقة أيضا تركيا وإيران ( القوتان الإقليميتان المنافستان ) .. بل لا أبالغ إن قلت إن دولا عربية يهمها أن تظل يد مصر ممدودة لها دائما ! ..
– لكن هل جر مصر إلى الحرب أمر سهل ؟! ..
سهل جدا .. قطع المياه عن النيل يدخلنا على التو في قلب المعركة رغما عنا ..
إذن الهدف واضح تماما :
استنزاف قوة مصر في حرب قد تطول مما سيخرجها من سباق الوصول إلى مكانة عالية تسعى إليها من خلال خطة نهوض لا شبيه لها وكذلك التخلي عن دور قيادي طليعي مستحق من أمام ثلاثة مشاريع تسعى كلها للهيمنة على المنطقة ( الصهيوني – التركي – الفارسي ) .. الحرب لن تكون عسكرية فقط بل لها تبعات أخرى أشد تأثيرا ..
مارأيناه أن القيادة المصرية المسئولة الواعية أدركت أهداف هذا المخطط من البداية وتعاملت معه بحذر وحساب شديد وما زالت .. هي تدرك جيدا أن المعركة مستمرة ولم تنته بعد .. لكننا عموما نقف بقدمين ثابتتين على أرض صلبة وراسخة ..
من فضلك دع القيادة السياسية تعمل براحة أكثر .. فهي الأحرص منا جميعا على مصلحة الوطن وسلامته .. والأقدر على وزن الأمور بشكل صحيح ودقيق .. أيضا كن على ثقة أنه من المستحيل أن يسمح جيشنا بحدوث جفاف وعطش وبوار أراض عندنا كما حدث لسوريا والعراق نتيجة سدود تركيا وإيران .. لن يحدث
تذكر دائما : نسق الفرد ليس كنسق المسئول كما أسلفنا .
♦ ♦
لم يخب ظني حول سد النهضة، فالمؤكد أنه لا سد سيعمل هذا العام ولا تخزين للمياه ولا حتى توليد للكهرباء من التوربينات الثلاثة المنخفضة التي تم تركيبها كما ذكر الخبراء الليله .
السبب أنه لا يوجد تجهيزات لنقل الكهرباء من محطات استقبال أو خطوط إمداد مطلوب منها أن توصل الكهرباء إلى أقرب مدينة من السد تبعد عنه 1200 كم ! .. سقوط الأمطار بدأ بالفعل ولم يسعفهم الوقت .. المهم أنها لم تكن خدعة إثيوبية كما توقع البعض لأن كل شيء مرصود على الرادار المصري بدقة متناهية ..
لسنا خبراء في القانون الدولي .. ولا دراية لنا بالعمل العسكري .. ولا نعرف شيئا عن فنون التفاوض .. لكننا متأكدون بنسبة 100 % أننا نملك خبرة طويلة عريضة في انتمائنا وعشقنا لهذا البلد .
نحن لا نثق كثيرا في عدالة النظام الدولي لا القديم ولا الحديث .. لكن لدينا ثقة لا نهائية في رئيسنا وقيادتنا وجيشنا .. صدقناه عندما قال : لن أضيعكم .. والآن نقول له : سر على بركة الله وستجد في ظهرك 100 مليون محب وعاشق لتراب مصر ..
أيضا لدينا يقين راسخ أن هذا البلد خلقه الله ليعيش إلى أن يرث الأرض وما عليها .. كل الكتب المنزلة تقول هذا الكلام .. والتاريخ أيضا .. لهذا مؤكد أن تغيير التركيبة السكانية والجغرافيا جائز في أي مكان على وجه الأرض إلا هذه الأرض تحديدا .. رأيي أن لها دورا تاريخيا مهما يدخره الله لها لم يحن وقته بعد ..
تقديري أن من يدير ملف السياسية الإثيوبية مجموعة من الأطفال وليسوا بساسة أبدا .. هؤلاء لا يفهمون أن من يلعب بالنار قد تحرقه في لحظة ولن يفيدهم العالم في شيء .. التاريخ علمنا أن السحر دائما ما ينقلب على الساحر .. فسياسة فرض الأمر الواقع التي اتبعوها هي التي ستفرض عليهم بشكل مؤكد فيما لو تم تدمير السد وكان قاب قوسين أو أدنى أو لو استمروا في عنادهم .
أما القدرة على تحريك الأحداث فأمر لا يفعله سوى القادة العظام القادرون على استشراف المستقبل برؤية ثاقبة وبصيرة نافذة .. من البدهيات – بل ليس من الحكمة أبدا – أن تنتظر حتى تأتيك المصيبة إلى باب بيتك ! .. مناورة ” حماة النيل ” الضخمة مع الجانب السوداني شكلت عامل ردع مخيف للإثيوبيين ..
التعريف القديم للسياسة على أنها فن الممكن أجده لا يصلح هذه الأيام .. بل هي فن الاستحواذ والقدرة على فرض منطقك .. مانراه من القوى العظمى ( الحيتان ) يؤكد هذا المعنى بجلاء واضح من شديد الأسف .. أو بتعبيرنا المصري الدارج : العفي ما حدش يقدر ياكل لقمته ! ..
صدقني : كنت مطمئنا إلى أقصى حد ولم يكن لدي ذرة قلق واحدة ..