إن التوقعات المستقبلية لتغير المناخ وأثارة، وآليات تقييمه والأطر القانونية الدولية المعنية به، وما يلازمها من إجراءات التخفيف والتكيف على مستوى السياسات في مختلف دول العالم والتى تتمثل فى العديد من المسارات مثل مسار تراكيز غازات الدفيئة العناوين المتعلقة بالقرارات السياسية والبُعد الإقتصادي والبُعد الإجتماعي والتكنولوجيا،
ومن جهة أخرى، فإن مستقبل المناخ والمسائل المتعلقة بمسار تركيز غازات الدفيئة ومقدار حساسية المناخ، أي مقدار تجاوب المناخ ووسائل التخفيف اصبحت فى أهتمامات الدول واولوياتها.
ومن أكثر القطاعات تأثرا بالتغيرات المناخية هي مصادر المياه، والنظام الإيكولوجي الطبيعي، والبنية التحتية والزراعة والمحميات الطبيعية.
كذلك يعتبر “الحصاد المائي” يعني حصاد أو جمع مياه الأمطار وتخزينها من أسطح البيوت والأبنية أو المسطَّحات الصخرية والترابية، بهدف استعمالها قبل أن تمتصها الأرض باتجاه المياه الجوفية، أو أن تسيل محدثة سيولا جارفة للتربة باتجاه البحر.
إجراءات التخفيف والتكيف
بإلإضافة للحصاد المائي، يمكننا القيام بإجراءات أخرى لتوفير كميات إضافية من المياه، لاستعمالها خصوصا في مجال الري والزراعة، من أهمها معالجة المياه الجوفية لدرجة كافية كي تصبح صالحة للري وإعادة استعمالها، واستخدام تقنيات متطورة للري بالتنقيط وكذلك تقنية الري بتوازن الضغط، وتطوير زراعة محاصيل قليلة الحاجة للمياه.
سياسات التخفيف والتكيف لمواجهة التغير المناخى
من أهم سياسات مواجهة التغير المناخي هي سياسات وإجراءات التخفيف والتكيف. وتشمل هذه الإجراءات قطاع المياه والأراضي والتنوع الحيوي وقطاع الزراعة والغابات والمحميات الطبيعية وقطاع الصناعة المستدامة وقطاع الطاقة المتجددة. ويمكننا استخدام أدوات التخفيف باعتماد آليات سوق الكربون، ووضع سقوف ومقاييس للإنبعاثات والألتزام بها، واستعمال فعَّال للمعايير والمواصفات، والحفاظ على الطبيعة، ومنتجات التكنولوجيا والإبتكارات.
المحميات الطبيعية
تشكِّل المحميات الطبيعية فى مصر (30 محمية طبيعية ) %15 من المساحة الكلية لمصر ، أبرزها محمية جبل علبة ، وادى الريان، ورأس محمد، ووادى الجمال، ووادى دجلة، وسيوة وأشتوم الجميل. ، وعلينا العمل على زيادة هذه النسبة باضطراد، وهذا ممكن بالطبع إذا ما وضعت السياسات الملائمة، وجنِّدت القدرات البشرية والمالية الضرورية لذلك. هذه النسبة تبدو للوهلة الأولى أنها مقبولة، ولكن في الحقيقة هناك الكثير من المحميات الطبيعية المنشأة بقانون خاص بها لا تزال غير فعَّالة، ولا تقوم بفعاليَّة كافية بدورها المتوقع منها على كل المستويات.
وتشكل المحميات الطبيعية واحدا من أكثر القطاعات المتأثرة بالتغير المناخي، وتتهددها مخاطر الجفاف وارتفاع درجات الحرارة ونقص الأمطار وانتشار الأمراض وتناقص الأنواع البناتية والحيوانية والحرائق. ومن جهة أخرى، يمكن للإدارة السليمة والفعَّالة للمحميَّات الطبيعية أن تشكل واحدة من أهم سياسة مكافحة التغير المناخي على مستوى السياسات التخفيفية والتكيُّفية على السواء من خلال:
أولا: العمل على زيادة مساحة المحميات الطبيعية والمناطق المحمية على مستوى كل بلد وعلى المستوى الإقليمي والعالمي.
ثانيا: رفع فعالية إدارة المحميات الطبيعة لزيادة أثرها في مكافحة التغير المناخي والتخفيف من آثاره. فهي كما هو معروف مخزن للكربون يمتص ثاني أوكسيد الكربون من الجو ويخفف من تراكيزه في الغلاف الجوي للأرض، وبالتالي يخفف من الإحتباس الحراري والتغير المناخي. ورفع فعالية الإدارة يتحقق من خلال وضع سياسات حكومية رسمية مثبتة بقوانين وتشريعات، وبإعطاء التخطيط أولوية في وضع الأهداف والنشاطات والبرامج، وتعزيز المدخلات من مصادر بشرية ومالية، وتفعيل العمليات بتعزيز فرق الأبحاث وخطط البحث، ومراجعة المخرجات في تقييم الآثار الإيجابية على الأنظمة البيئية وعلى الوضع الإجتماعي والإقتصادي للمجتمعات المحلية وللبلد عموما. لا يكفي أبدا أن نقوم بإعلان محمية طبيعية هنا أو هناك، بل المهم أن نجعل من هذه المحمية نظاما نشيطا فعَّالا، لكي تقوم بدورها كاملا في التخفيف من التغير المناخي والتكيف مع آثاره.
التنوُّع الحيوي
يجب علينا دراسة الأسباب والتهديدات الناجمة من تأثير التغير المناخى، والتغير الحاصل في الموائل وخاصة بسبب الزراعة، والإستخدام الجائر في حالات الصيد والرعي الجائر، ومتابعة ودراسة أثر الأنواع الغريبة الغازية، وكذلك التلوث ومصادره وأنواعه ومستوياته، ولا سيما تدفق المغذِّيات من المصادر الصناعية والزراعية وصرف المياه المبتذلة دون معالجة، وكذلك دراسة ومراقبة التغير المناخي وآثاره.
ويشهد العالم، وكذلك منطقتنا العربية بما فيها مصر، خسارة ملحوظة في التنوُّع الحيوي، فهناك انقراض لحوالي 31 بالمئة من الأنواع الفقارية بين 1970 و2006 في العالم، 59 بالمئة منها في المناطق الإستوائية و41 بالمئة في الأوساط المائية. ويظهر الأثر الكبير على التنوع الحيوي بسبب إرتفاع درجات الحرارة وتغير في توقيت الأزهارفى النباتات، وكذلك تغيُّر في مورفولوجيا وسلوك الكائنات، وتغير في توقيت ومواعيد التكاثر، وتغير في نمط هجرة الكائنات، وفي التوزع الجغرافي ومدى الإنتشار، وتغير في السلسلة الغذائية وخلل الأنظمة البيئية، حيث يظهر هذا جليَّا في توقيت التفريخ وتوفر الغذاء، وكذلك أيضا في تغير مناطق انتشار الكائنات الناقلة للأمراض،
وتغير الأنظمة البيئية في القطب الشمالي والمياه العذبة والشعاب المرجانية، والجبال العالية هي الأكثر عرضة لتغير المناخ.
دراسة آثار التغير المناخي
ونشهد أيضا آثارا ملحوظة للتغير المناخى على الأنظمة المحيطية والبحرية، تتجلى في زيادة هشاشة الشعب المرجانية، والأمراض والسمِّيَّة الناتجة عن ارتفاع مستويات التلوث ولا سيما الكيميائي وانتشار الجسيمات البلاستيكية، وتغير في جموع الأسماك والطيور والثدييات، وأخيرا وليس آخرا، بزيادة منسوب سطح البحر. فتغير المناخ يفاقم ويزيد الأخطار الأخرى التي بدورها تؤثر على الأنظمة البيئية كافة وتحدث فيها الإختلالات والتغيرات المدمرة.
ويبدو في هذا السياق أن قدرة الأنواع على الإنتقال والهجرة للتأقلم مع ظروف مناخية أكثر قسوة هي المجال الوحيد لنجاتها، وإلَّا سوف تواجه الموت والإنقراض.
وهكذا، فإن الإحتباس الحراري ظاهرة طبيعية، زاد الإنسان من فعاليتها بشكل أدى إلى تغير في المناخ على الكرة الأرضية. والتغير المناخي هو تحدٍّ هام يضاف إلى جملة التحديات التي تواجهنا في إدارة المحميات وتفعيل هذه الإدارة. نعم، إن المحميات الطبيعية حين تكون إدارتها فعالة وشاملة وحيوية من شأنها أن تقدم قصص نجاح باهرة في مواجهة التغير المناخي والتخفيف من آثاره. ولذلك علينا اولاً دراسة آثار التغير المناخي قبل التوجُّه النهائي لمواجهة هذه الآثار، وهنا سنرى أن للمحميات الطبيعية وتوسيعها وتفعيلها دورا عالي الأهمية في هذه المواجهة وما تؤمنه هذه المحميات الطبيعية من خدمات على مستوى التزويد والتنظيم والدعم والثقافة .
كاتب المقال
بقلم : ا.د. عاطف محمد كامل احمد
مؤسس ورئيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان- كلية الطب البيطرى- جامعة عين شمس والأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتجاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية