آراءأهم الأخبار

احمد معوض يكتب : لمحات إنسانية من حياة المبدع فؤاد حجاج

“من السهل أن تبني القصور الكبيرة ولكن من الصعب أن تبني القلوب الأصيلة”
هكذا علمنا الشاعر الكبير والمربي الفاضل الراحل فؤاد حجاج .. الذي كان يطبق دائماً ما ينادي به من مبادئ إنسانية راقية، فغرس فينا الأخلاق ببساطة ودون تكلف .

بابتسامته الجميلة كان يستقبل كل من طرق باب مكتبه أو بيته، بل وكان يقوم من مكانه ليستقبل الناس بنفسه ولا يجلس إلا إن جلس ضيفه أولاً، فيا له من إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معني فهو الذي قال في تتر مسلسل حديث الصباح والمساء:
” ولا شئ يعطر حياتنا ويمد في مداها
غير سيرة عاشت لنا، أكتر صاحبها ما عاش ”
وقد كان، فسيرته العطرة تدل على صدق قلمه وقوة مضمونه وبساطة طرحه وروعة إبداعه، وبرغم رحيله لكن وجوده القوي يظهر بقوة في ذكره الباقي بين محبيه وفي دروسه الساكنة في قلوب تلاميذه.

فكان الراحل فؤاد حجاج يُعلم تلاميذه أن القيمة الحياتية هي الأهم من المكاسب المادية، وأشهد له، وكنت أعمل معه في جمعية احمد با كثير الادبية وفي اتحاد شباب ونشءالعمال وعلى مدار 11 عام أقابله يومياً أنه لم يهتم بالمكاسب المادية وكان كل ما يشغله هو الرسالة الإنسانية التي يقدمها وكيف يبسطها ويجعلها تحفة إبداعية يتقبلها الجميع بعمق وبساطة بل وكيف تكون مؤثرة في كل من يتلقاها.
فكان المبدع الانسان يذهب للأقاليم بنفسه ويكتشف المواهب وينشر للشعراء والمبدعين الجدد في كافة الجرائد الكبرى وفي بابه الأدبي في جريدة العمال التي أعطاها جُل حياته وتركيزه، إيماناً منه بمواهب العمال واستخراج كنوزها والعمل على إخراجها للنور .

وكان في ندواته الرحبة الجميلة يدعم الشعراء والمبدعين الجدد ويستضيف الشعراء والمبدعين الكبار ويكرمهم، ويذكر من رحلوا عن عالمنا ويقدم أعمالهم لكي لا ننساها، فكان تركيبة إنسانية نادرة فارساً نبيلاً معطاءً، شجاعاً خجولاً في آن واحد، فكان يناقش المواضيع الفكرية والإبداعية بقوة وبلاغة ولا يحرج أحداً أبداً..

وفي موقف حضرته بنفسي ( دخل عليه عامل بسيط بسعادة غامرة ومعه كتاب يظنه أنه للشاعر فؤاد حجاج، فأخذه منه موظف في مكتب الشاعر، لكنه وجد الكتاب تأليف الشاعر فؤاد حداد، فاستهان بالكتاب وبمن جاء به، فما كان من الأستاذ فؤاد حجاج إلا أن قام مسرعاً وأخذ الكتاب من الموظف ووضعه فوق رأسه وقال: ” ده أستاذنا .. ومن لم يحترم أستاذه .. فلن يحترمه أحد ” ثم سلم على العامل بحرارة وأجلسه ورحب به ترحيباً كبيراً ولم يتركه قط حتى استأذن وخرج ) هكذا كانت أخلاقه وإنسانيته.

وبالرغم من أنه كان صديقاً مقرباً للكثير من نجوم الفن والأدب والسياسة إلا أنه كان أستاذ المتواضعين في تعامله وترحابه مع كل الناس وبدون أي تحيز ولا أي مصلحة شخصية، فيا له من إنسان عظيم تعلمت منه الكثير وما زلت أتعلم حتى بعد رحيله فلقد ترك لنا ذخيرة عظيمة من الدواوين الشعرية والمقالات الفكرية والدراسات النقدية والمسرحيات المليئة بالفكر العميق والإبداع الرائع الجذاب ورصانة الرسالة مع بساطتها ..
ومن وصاياه العظيمة كان دائماً يقول لي :
“قبل أن تكتب قصيدة جميلة .. ينبغي عليك قبل ذلك أن تكون أنت قصيدة جميلة”

فقد عاش جميلاً بأخلاقه وإبداعه وإنسانيته الفائقة، ورحل عن عالمنا تاركاً لنا سيرته الطيبة التي يعشقها ويتعلم منها الجميع، وأختتم كلماتي بقصيدته :
( شرايط البراويز )
على جدران العمر معلق
كام برواز ..
وبرغم الصور الباهتة
جوه إطار بهتان ..
ماسلمش إزازه تماماً م الدبان
لكن ..
ماقدرش فـ يوم النسيان
يمحي الذكرى م الوجدان
علشان ..
وبرغم الكون المزحوم المليان
م النادر لما تصادف
تحت هدوم الناس الشيك إنسان
أتأمل في البراويز
أتنهد
تخطفني شرايطها السودا ع الأركان
تلسعني الوحدة بفراق لصْحَاب
أخرج .. أوصل عتبة بابي
أرجع
واقعد أفِرْ في كراسة الذكرى
ـ نتقابل بكرة ؟
ونصيب في لقانا ما تمش
ومحال حيتم ..
أتدحرج .. أتفتت .. أضحك
وأرد بنفسي على نفسي وأقول :
ـ ما تفوقلي يا عم فؤاد
وبلاها الأحزان
واتحرك قوم .. اعمل إنجاز
هاتلك برواز بشريط
علشان الصورة بتاعتك ..
يبقالها مكان ..
***
رحم الله الشاعر العظيم والمربي الفاضل الأستاذ فؤاد حجاج .

بقلم تلميذه : احمد مصطفي معوض

زر الذهاب إلى الأعلى