أهم العوامل المطلوبة لأداء حكومي عالي المستوى هو وجود قاعدة بيانات كاملة متكاملة مرتبطة يبعضها تعمل بتطبيقات وبرامج وطنية مستقلة ومزودة بالذكاء الصناعي؛ لنجاح فكرة التحول إلى وطن رقمى وتسهيل حياة المصريين فى الحصول علي الخدمات وهم في البيوت وعبر المحمول.
ويتم تحديث البيانات تلقائيا وتصحح نفسها بنفسها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، بل أيضا تستبق الخدمات المواطنين بإشعار المواطن لتجديد أوراقه الرسمية أو حتى تبليغ المواطن إلكترونيا بأنه يستحق دعما ماديا ضمن برامج الدعم الاجتماعي أو حتى استحقاقاته الصحية.
المعنى الحقيقي لفكرة الحكومة الإلكترونية والدولة الذكية يتمثل فى الجدية في تطوير أداء مؤسسات الدولة المصرية بقواعد البيانات وبرمجيات الذكاء الصناعي من أجل قدرة أفضل على اتخاذ القرارات وتنفيذها، وإحكام السيطرة على مفاصل الدولة بشكل حقيقي دون أن تترك للترهل أو الفساد وتيسير حياة الناس في بلدى بعيدا عن مافيا فتح الدرج والابتزاز والطوابير والسيستم والنت المتعطل.
تأخرنا كثيرا في وجود العقل الرقمى لمصر CDB كالقاعدة مؤمنة ومتطورة؛ لأن الخبراء وجدوا إن برنامج الحكومة الإلكترونية الذي كنا نستخدمه أيام مبارك ونظيف في تدوين هذه البيانات التي تمثل جزءا من الأمن القومي المصري من صنع إسرائيل ولديها فيه مدخل يسهل لها اختراقه ومعرفة كل بياناتنا، وكل الجهات تستخدم شبكة منفصلة للمعلومات وتعمل كجزر منعزلة مثل التأمينات والأحوال المدنية والتعليم والجوازات والضرائب والجمارك والبنوك وغيرها، أى أن بيانات المواطن لدى كل جهة لها رقم مختلف مثل الرقم القومى ليس هو الرقم التأميني إلى آخره.
وكان قرار السيسي البدء من الصفر ببرنامج أكثر أمانًا، وهذا يظهر وعى الرئيس وفهمه لمعنى الدولة الحديثة وأهمية وجود منصة تعمل ببرامج يضعها الخبراء الأكفاء للربط بين الحكومة وشعبها توفر أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، بحيث يصبح للمواطن رقم واحد إذا دخلت به على الشبكة الحكومية تظهر كل بياناته من الدخل وسجله الجنائي والملف الضريبي وتعليمه وحتى حالته الصحية من خلال النظام الصحى الجديد باختصار بياناته “من ساعة ما أتولد” وحتى الآن.
كل جهة حكومية لديها الصلاحية في عرض ما يخصها من معلومات المواطن فقط وليس كل المعلومات عدا الجهات السيادية، المواطن يمكنه عرض كافة معلوماته على صفحته الشخصية من واقع كارت المواطن وهناك اقتراح باستبداله بالرقم القومي.
وكان أغلب كلام الرئيس فى مؤتمر التدشين الشعبى للعاصمة الجديدة بحضور الشباب يدور حول تأمين قاعدة البيانات العملاقة، بحيث لا تخترق من أي جهة؛ لأن كل المعلومات الحكومية والخاصة بالأفراد تعتبر جزءا من الأمن القومي، وعندما تكلم عن السيرفرات الموجودة تحت الأرض ووجود بدائل لها كان يحاول تطميننا أننا في أيدي أمينة واعية بكل المخاطر ومتخذة كل الاحتياطات ويبعث برسالة للأعداء مفادها أن مصر دخلت فى مستوى آخر يودع العالم الثالث.
قاعدة بيانات تضم جميع بيانات المصريين وكل البيانات الحكومية، أنها ستكون عقلا ذكيا قادرا على التحليل وإخراج النتائج وإعطاء المقترحات، ويكون فيه عقل آخر بمكان آخر على سبيل الاحتياط ويكون لكل محافظة عقل مماثل على شكل أصغر.
وسيتم إطلاق العقل الذكي لمصر منتصف ٢٠٢٠ مع بداية عمل الحكومة من العاصمة الجديدة وسيكون متواصلا مع 50 ألف جهاز كمبيوتر لـ 50 ألف موظف حكومي يتولون إدارة الدولة من العاصمة رقم ٢٢ لمصر عبر التاريخ والمرجح تسميتها طيبة أو كيمت.
واهتمام مصر بالتحول الرقمي وتطبيق عناصر الدولة الذكية يأتي ببساطة من دمج التكنولوجيا الرقمية في جميع المجالات في المؤسسات الحكومية أو حتى الشركات والهيئات لتبسيط الإجراءات وسرعة إنجاز الأعمال وتحسين كفاءة الخدمات المقدمة للمواطن.
ويظهر ذلك من آليات تقنية ذكية من خلال تطبيقات إنترنت يتعامل بها المصرى مع الجهات المراد التعامل معا بهدف التخلص من دوائر البيروقراطية اللا متناهية وسرعة الحصول على الخدمات وعدم الحاجة لاستخراج أوراق كثيرة للحصول على خدمة معينة يكفى الرقم القومى ودفع الرسوم بالفيزا.
حقيقة الأمر أن التحول إلى وطن رقمي يتطلب تنفيذ التسويق الإلكتروني لمشروعات وخدمات الدولة لضمان انتشار المنتج أو المشروع المراد تسويقه، ويستطيع المواطن من خلال التسويق الإلكتروني رؤية الأموال التي يدفعها ضرائب أين تصرف، عرض المشروعات يساعد على تسهيل التواصل بين المواطن والدولة لجذب الكفاءات للعمل في تلك المشروعات، وتطوير منظومة خدمة العملاء من خلال إستراتيجية لخدمة أفضل ومراقبة الأداء وقياس مدى رضا المواطن عن الخدمات الحكومية.
وعندما تكتمل قاعدة البيانات ويتم تدريب العاملين التدريب الكافي على استخدام البرمجيات الحكومية، أعتقد أن ٩٠٪ من معاناة الشعب في تعاملاته مع الحكومة ستتلاشى، والأكثر من ذلك تنضبط المنظومة ولن يكون هناك مجال واسع للرشوة لتأدية الخدمة أو الرشوة لكسر القانون وإعطاء ميزات لأناس عن غيرهم، مع الميكنة وتقليل احتكاك الموظفين بالجمهور ستقل نسبة الرشاوى وتكاد تنعدم.
إذا تم الأمر كما يجب فهو بالتأكيد قفزة هائلة في إدارة مصر أقدم دولة مركزية فى التاريخ، وهزيمة ماحية للبيروقراطية العتيقة في مصر المحروسة، ولا بد من وضع برامج وآليات لمتابعة حركة الموظفين يوم بيوم للمحاسبة وتطبيق معايير الجودة والحوكمة.
شىء رائع أن تصل بلادنا لهذا المستوى من التقدم والازدهار بعد أن قامت بتصنيع أول قمر صناعى وسوبر كومبيوتر مصرى، لقد كان الاعتراض على العاصمة الجديدة غباء وقصر نظر، أنها نقطة الانطلاق إلى دنيا الدول المتقدمة.