منوعات

الهام حسنين رضوان تكتب : الرحيل

قطعُ الثلجِ المتربصةُ لنافذتِها ، تُحدِثُ صوتًا مُدَوِّيًا داخلَ رأسِها الصغيرْ .تعبثُ بأصابِعها في أحدِ أدراجِ المِنضَدة . تبحثُ عن ذكرى من الماضي السحيق , مخبأةٍ داخلَ أُقصوصةٍ من الورقِ بداخِلِها زهرةٌ يابسة ،تتلمسُها تتفحصُها فتبعثُ في نفسِها ألمًا مريرًا . فقد كُتِبَ على أوراقِهِ اليابسةِ حرفًا من اسْمِها واسمِ من كانت تَهوَى .. فقد غادرها وتركها لذكرياتِها بعدما رحلَ وسألَها النسيانْ

فتتصاعدُ الآلامُ إلى رُوحِها فتعتصرُها وتقرِضُ السكينةُ من نفسِها فتلملمُ ما بَقِيَ منها وتلملمُ شَالَها الأسمرَ حولَ كتفَيْها ،لعلها تحظَى ببعضِ الأمان . ولكنها تمشي بخطواتٍ وئيدةٍ نحوَ البابِ الموصدِ ، وتمدُّ يَدَها إلى مَقبَضِه ،
تفتحُه برفقٍ وهدوءْ .. ناظرةً إلى صفحةِ الماءِ الهائجِ من بعيدْ . متفحصةً وجْهَ السماءِ الذى يزْدانُ بضوءِ البرقِ الصاعقِ وهديرِ صوتِهِ .. تخرجُ تضعُ قدميهاالحافيتين على درجاتِ السُّلَّمِ الخشبي . تتلمسُ حصى الشاطئِ ورمالَه ، فيتخللُ البردُ إلى نفسِها وجسدِها النحيل .

ولكنها تُكملُ السيرَ إلى الشاطئِ ، تسيرُ نحوَ الموجِ الهائجِ لا تدري إلى أين ؟ . متسائلةً لِمَ الحياة ؟ . تلتقط أُذُنيهَا نُبَاحَ كلبٍ يأتي من بعيد . وصوتًا ينادِيها .. ولكنها لا تعبأُ بالأصوات . لا يسيطرُ على عقلِها غيرُ هذا الصوتِ القابعِ داخلَ أحزانِها وخلجاتِ نفسِها . هذا الصوتُ الذي يأمُرُها بالرحيل .
ويدفعُها داخلَ الموجِ لكي تَغْرقَ داخلَ غياهبِ هذا الصوتِ الهادرِ الصاخبْ . تغوصُ داخلَ الموجِ ، داخلَ الظلمةِ التي تملأُها .
. ترتعشُ.. تختنقُ.. فتغيبُ داخلَه إلى أعماقِ اللاشيءْ فربَّما يلفِظُها هذا الموجُ يومًا ما
، كأَحَدِ أصدَافِه لكي تتلمَسَها وتتفحصَها يدٌ أخرى
. فربما ترى مرةً أخرى وجْهَ المغيبْ .

زر الذهاب إلى الأعلى