منوعات

الهام حسنين رضوان تكتب : وعد وثلاث حبات لؤلؤ

أصوات طيور النوء والقطرس تصدح فى المكان ،تختلط بحفيف الأشجار وصوت الموج المتكسر على صخور الشاطئء لتلة عالية ،يقبع داخلها كوخ صغير، يصدر منه صوت لحركة جسد ،يتململ بكسل داخل سرير مدور ،مصنوع من خشب البلوط الأبيض ،عليه غطاء مخملى وردى اللون .

يقترب شاب يافع من السرير ،ويزيح الغطاء المخملى عن هذا الجسدالرائع التكوين ، نظرات وأبتسامات الحب لهذا الوجه تضيف أشراقآ للمكان ، يقترب منها لكى ينظر إلى عينيها السوداوين اللامعتين ، فتسارع بوضع ذراعيها حول عنقه بدلال ،يزيح ذراعيها بكسل ،ويقول حان ميعاد مغادرتى ،تهز رأسها بالرفض،فيضع يديه حول خصرها ،ويزيحها عن السرير ،تنتصب واقفة وتقول : لا تذهب ، يمد يده تحت الوسادة ؛ ليخرج عقدا من اللؤلؤ ،لم تكتمل حباته،يرفعه الى عينيها ويقول : لقد وعدت أباكِ أن أكمل لك العقد،لم يعد غير ثلاث حبات، أنت تعلمين عشقى للصيد ،وأقرانى بالخارج ينتظرون حول موقد النار ، يهمهمون بكلمات شبابية سخيفه ،
-أنا راضية عن عقدى أن يكون ناقصا ثلاث حبات .

– الوعد دين .
-أنا أعفيك من هذا الدين .
– أما أنا لا أعفى نفسى .
تسير على أطراف أصابعها الى منضدة عليها كمية كبيرة من الزجاجات الفارغة، يضحك ويقول : ما هذا ؟ تضحك وتقول : إنها زجاجاتى التى سأرسل إليك فيها رسالاتى كل يوم ، إلى أن تعود ،يحملها بحب ويدور بها أرض الحجرة ، ويتركها فجاة ويخرج ، تجرى خلفه ، ينظر أقرانه الى هذا الجسد الممشوق الواقف بالباب على أطراف أصابعه ، وقد تلاعبت الرياح بثوبها وبشعرها المسدل الغزير. وكأنه أغصان لشجرة صفصاف ، أخذت تلملم ثوبها على نهدين بارزي التكوين ،مد يده إلى أحد الكلاب القابعة خلف سور الكوخ تاركآ واحدآ لها،ابتعد ملوحا بيده ، مودعا لها هو وأقرانه ،ظلت واقفة ، حتى غادر المركب الشاطئء ..تعود الى المنضدة ، وتمسك المحبرة والريشة والمصباح ، وجلست تكتب ، إلى أن نامت على أوراقها ، وأخذت تحلم ،أفاقت على صوت كلبتها، فقد قاربت الشمس على المغيب ، قامت ،وذهبت الى الموقد ، وأوقدته ووضعت طعامها التى تقاسمته مع كلبتها ، وخرجت مسرعة الى الطريق المؤدى إلى الفنار العتيق ؛ لكى ترمى أول زجاجة،لا ، بل أول رسالة حب ،كانت الصخور تدغدغ أصابع أقدامها ،والهواء يبعثر شعرها وثوبها الشفاف ، كانت تقف تنظر إلى البحر، وهى تشعر بنشوة تملأ كيانها ،وكأنها ستلتقى بمن تحب ،وقفت على حافة التلة، وضمت الزجاجة إلى صدرها ،وألقت بها داخل أمواج البحر،عادت الى الكوخ.

خمسة’عشر يوما ،وهى داخل الكوخ تذهب للصيد ،وتجفف اللحم الذى تصطاده ،وتجمع البذور والفاكهة كما علمها زوجها،. إلى أن جاء يوم كانت فوق الكوخ تعيد لوحا خشبيا ،اقتلعته’ الرياح من مكانه ،وفجاة’ لمحت مركبا مقبلا، ابتهجت نفسها ،وكادت دقات قلبها تخرجه من صدرها ،نزلت إلى الكوخ ، وأضرمت النار، ووضعت اللحم على الموقد وغادرت إلى الشاطئء ؛لكى تقابله،كانت واقفة على حافة التلة ،عندما دنا منها رفاقه، ولكنه لم يكن بينهم ،امتقع وجهها حزنآ،وظهر الغضب عليها ،عندما اقترب أحد رفاقه منها ممسكا بزجاجة ،بها رسالة وثلاث حبات من اللؤلؤ،.سألت : أين هو ؟ ،أين زوجى؟ ،ولكن لم يجرؤ أحد أن يجيبها ،أخذت تنظر اليهم بعيون زائغة، وقلب مطرب واجف ،لم تكن تدرك أن قدميها تسيران ناحية الحافة ،وعندها نظرت إلى البحر، وفتحت زراعيها ،وهمت بقذف نفسها من أعلى التلة ، وفجاة’ أمسكت بها يد تعرفها ،وأنفاس تذكرها
،ونظرت إلى وجه الرجل الذى كان يحتضنها ، غير مصدقة ، قال لها:ماذا تفعلين ؟ قالت :كنت أرمى نفسى إلى البحر ؛حتى أكون معك ،قال: يا الله سامحينى ،وأغفري لى ؛فلقد راهنوا على حبك ، ولكنى لم أدرك أنك تحبيننى بهذا القدر،تلمست وجهه بيديها ،قائلة: وهل أحيا بدونك …هل تتلمس الشمس أطرافى كل صباح من غيرك هل يستطيع قلبى أن يخوننى ،وينبض من غير حبك ؟ هل تتحرك أناملى من غير لمس أشيائك ،من الشعور بأنفاسك ، ضمها إلى صدره، هائما بعينيه في ملامح وجهها المستدير كالبدر في اكتماله ،حتى لا مست شفتاه ثغرها الجميل ، فأسدلت ذراعيها حول عنقه ،ووضعت رأسها على كتفه ،وحملها الى الكوخ ،: وتفقد ما حوله ،فلم يجد أقرانه ،فقد اختفوا ،فتبسم ،وأمسكت بيدها الزجاجة والرساله و حبات اللؤلؤ الثلاث ،وخطوا الى عالمهم الفريد إلى وعد بثلاث حبات لؤلؤ…

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى