منوعات

منال أمين تكتب: حب في جليم

كانت الشمس محناه بلونها البرتقالى المتوهج تتدلى برقة المشتاق فى حضن البحر وتنغمس به كى يهدأ من ثورته، يذوبان فى بعضهما كذوبان العشاق، عندما اختفت ظهرت هى كالقمر فى تمامه تسير بخطى هادئه وتقرع بكعبها العالى كغزالٍ يمشى على مهل ولا يخشى أن يفترس من كل العيون التى التفتت إليها عندما أشرقت بوجهها الأبيض الجميل دخلت إلى الحفل الذى كان على شاطئ جليم فى ليله من ليالى شتاء الاسكندريه ورغم برودة الجو إلا انى شعرت بحرارة تدب فى جسدى عندما وقعت عيناى عليها وتزايدت دقات قلبي وكأنى أعيش المراهقة ولأول مره أشاهد فتاه،

تحولت فجأه من رجل فى مراحله المتأخرة من العمر إلى شاب فى السادسه عشر من عمره يدق قلبه من اول نظره حب فى حياته .
اسعدني هذا الاحساس الذى لم أشعر به فى حياتى من قبل ونظرت إلى السماء وشعرت انها تبتسم لى وتكافئنى بإرسالها لى هذه الهديه الجميله ولما لا ؟ أليس القدر هو من ارسلها لى وانا القاهرى الذى قلما أن احضر إلى الاسكندرية واليوم حضرت حتى أراها .

كل هذا طرا برأسى فى نفس اللحظة التى مرت بها من جانبى دون أن تنظر لى ولكنها خطفت معها قلبى وعقلى . تسمرت عيناى عليها وكأن كل الكون قد اختصر فيها تلك الشقراء ذات العينين الكاحلتين.. ووقفت دون أن أدري التفت حولى أبحث عن هذا النادل كى اطلب لها شيئا تشربه وطلبت منه فنجانا من النسكافيه أخذته منه واتيت به إليها اعرفها بنفسى

نظرت لى بعينيها الساحرتين وابتسمت ابتسامة عادت بى إلى عمر ماض وزمن بعيد كأن هذه الابتسامه أدخلتنى فى غيبوبه لا أريد أن أفيق منها وأسئلة كثيره تضج داخل عقلى لماذا ؟ لماذا لم اقابلها من قبل ؟ لماذا لم يتوقف عمرى وشبابى إلى أن ألقاها اليوم ؟ ما كل هذا الحب الذى أشعر به الآن ؟ هل انا فى حلم ؟ هل انا فى عالم آخر ؟ نعم انا فى عالمها الأن عالم الملائكه واستفقت على صوتها العذب وهى تقول لى شكرا لك يا فندم تعبت نفسك ليه .
نظرت إليها دون أن انطق بأي كلمة وكأن اللجام بيديها .. بعينيها .. بأبتسامتها

ما هذا؟ كوكبها الآتي من خلف السحاب يحتويني يمضي بي إلى فصل ربيع ، يمنحني بصمة وقت ، ويحاصرني بمشاعر فرح أفتقدها منذ زمن بعيد

جلست تشرب فنجان النسكافيه وأنا أنظر إليها كالطفل المتسمر أمام محل الحلويات ويريد أن يأخذها كلها.

تدارك الأمر صاحب الحفل فجاء يضحك بصوت عال وشدنى من ذراعي ومشي بي بعيدا عنها وقال لي : مادا بك يا دكتور لماذا تقف تبحلق هكذا في مدام حياة؟
ألتفت له في سعادة حياة ) أسمها حياة

نعم سيدة راقية جدا
نعم هي الحياة بكل جمالها
فأخذت صديقي إلى جنب وقلت له ماذا تعرف عنها ؟
قال لا أراها كثيرا انما هى تظهر وتختفى كالنسمة
قلت له يعني متزوجه ام لا
ضحك صديقي بصوت عال مهللا : ايه يا دكتور هي الصنارة غمزت والا ايه

سحبته من يده بعيدا أكثر وقلت له في توتر ، صنارة ايه وبتاع ايه انا بس حابب اتعرف عليها اكثر
قال لي بسيطة تعالى ، وسحبني من ذراعي وانا كالطالب الذي يخشى من دخول الامتحان، أخشى أن اعرف عنها ما يخيب أمالى

وقد ثقلت أقدامي في الأرض كأنها تحمل أكياسا من الرمل ، وفي نفس اللحظة كنت أهندم بيدى الأخرى شعري وقميصي
وقفت أمامها وفتح صديقي الحديث وانا أنظر إلى عينيها، يا انت .. يا كل أوطاني .. أزرعيني في عينيكِ .. في قلبكِ .. فى تراب عشقك ِ ، ودعيني أعتصم بك ، أرتل عليكِ مره تلو مره اننى لكِ يا بلسم آهاتى.

أفقت على ضربة في قدمى من صديقي وهو يقول، والا ايه يا دكتور ايوه طبعا طبعا
ضحكت بصوت عال وقالت
الدكتور مش معانا خالص
ابدا ابدا معاكم جدا

ردت بخفة ودلال تخصص ايه يا دكتور قلت جراحة قلب
ضحك صديقي وقال يعني طبيب قلوب يا استاذه لا وكمان شاعر رومانسي جدا

نظرت لي بعينيها الساحرتين وقالت اريد ان اسمع
أبتسمت وذهبت الي المنصة اخذت المايك وشعرت اني سأعزف بحروفي لحن العشاق بل انشودة البقاء نعم البقاء في عينيها في قلبها في أنفاسها التي ستكون مصدر وجودي في الحياة.
نطق قلبي قبل لساني أحبك يا….. ،توقفت حين وجدت رجلا وسيما يفوح رائحة عطره يمر بجانبي متجها الي سيدتي الجميله يبتسم لها وهي تبادله الابتسامة ونهضت من مكانها عندما لمحته عيناها الجميلتان ، أقترب منها وقبلها واخذ ذراعها في ذراعة ومشي، أستدارت هي لي وأومات براسها مبتسمة وكأنها تودعني الي الأبد.

ظلت عيناي متسمرتان على طيفها وهي تبتعد وروحي التي اخذتها معها ظلت تبتعد هي الأخرى حتى شعرت بالأختناق.
هلل صديقي يا دكتور نحن في انتظار القصيدة
القصيدة انتهت

يكفي انها سمعت كلمة أحبك
عدت في قطاري متوجها الي قاهرة المعز وتركت هناك قلبي في عروس البحر المتوسط

زر الذهاب إلى الأعلى