منوعات

علية احمد مصطفى تكتب : سحر الآفاق

لقد اغلق الباب ولم تلق له بال، بينما كان ذاهب الي مكان يجد به روحه لم يكترث الي عدم المبالاة التي تعتري وجهها والتلفاز والهاتف الذي أخذ يسرق ملامحها وتسرقها عن الوجود اغلق الباب خلفه ، ليذهب الي المكان الذي لطالما جلس به وهو صغير يستمع إلي صوت الشيخ محمد صديق المنشاوي مع كتابه واقلامه يشكو وحيدا غربة حياته وبحثه عن الذات التي لطالما ضاعت في بحر الدنيا الواسع و أمواجه المتلاطمة ليأخذه سحر المكان والصخرة التي كان يجلس عليها ويشكو مر الشكوي من احلامه التي لا سبيل الي وجودها في ارض الواقع ،

أخذ ينظر إلي البحر الراكدِ ومغيب الشمس وآخر شعاع احمر مضيء لها ليعلن الكون له نبا عظيما أن الليل وهمومه اتية في الطريق

لم يكترث لقد اعتاد زحام الحياة والروتين اليومي الممل والحياة التي يحياها بين غضون الأيام كان الياس يدق باب حياته ليفتح هو الباب وبكل سهولة ينتهي أمره بهذا الشكل الغريب الذي لم يكن يحلم يوما أن يكون فيه ، وبينما هو يتذكر كل هذا أخذ يرمي ببعض الصخور في البحر علّ الحياة تدب فيه مرة أخري وتأتي الحركة بامواج حتي وإن كانت صغيرة ،

وبينما هو يلقي الصخور إذا بالهاتف يرن، من يا تري الذي يذكره في هذا الوقت وهذه الساعة؟ فتح الهاتف أنه مديرُ بالعمل ، فرد بكل مبالاة: اهلا بحضرتك، فقال له: اين انت؟

فقال : انا في الحياة ، فقال له فلتأتي إلي الآن . أغلق الهاتف بعد قول: سلام ، لا يعي ما الذي سيحدث ولا يعرف لماذا اتصل به المدير في يوم الإجازه لا يدري تدور به الاسئله هل اخطأت في عملي هل هناك شيء لم يكتمل ذهب وفي عقله السؤال يدور لم يدري بنفسه إلا وهو جالس أمام المدير وأخذ يقول له يا ولدي كيف حالك؟ نظر إليه وقال بخير أخذ المدير يعطيه نصائح نظر في عجب وقال هل أخطأت في شيء من عملي؟ فقال له بالعكس انت تفعل كل شيء يطلب منك وهذا ليس ما أريد يا ولدي عندما أتيت إلي العمل هنا كنت تحمل في قلبك الكثير من النشاط كنت محب للانجاز والتفكير غير المعتاد لقد قدمت إلي الكثير من الافكار

لم اتوقع ابدا ان يكون هناك شبيه لها في عقل أحد آخر ، لم استطع ان اقول اي كلمة أمام الأفكار الرائعة التي قدمتها لي وعلي الرغم من كل الخمول الذي يخيم علي حياتك فأنا متاكد أن هناك يوم سيأتي ليخرج كل فكرك الي النور نظر الي وفي عينه حسره بالفعل اين اكون وهل هذا هو الانسان الذي كنت اتوقع أن اكون عليه أخذ المدير يقول عليك أن تبعد الغبار المخيم علي زهنك لقد اخذت منك الحياة الروتينيه الكثير يا ولدي نظر إليه وفي عينه اسي لانه لن يقوي علي قول اي كلمة اعطاة المدير اوراق كانت في درج المكتب الخاص به فنظر إليه

وقال ما هذه الأوراق فقال له هل نسيت أن هذه الأوراق التي كتبتها بيديك منذ قدومك الي عملي ودونت بها أفكارك يا ولدي ، لقد تبني هذه الأفكار أشخاص ويريدون تنفيذها في ارض الوقع لقد أعجبهم تصميمك المعماري يا ولدي عليك الذهاب لتكتشف نفسك ، عاد إلي البيت واخذ يتذكر كل كلمة قالها له المدير وكأنها كانت صاعقه علي قلبه وحكمته التي أخذت تبعد الغبار والغشاوة التي كانت تطل علي عقله وأخذ يفكر في كل شيء كان يحلم به لقد كان يفكر منذ دراسته في تنفيذ أفكار كثير وكان الحلم يجمح به لآفاق كانت أبعد كان ينتظر اليوم الذي يتخرج فيه من الجامعة ، ليحقق كل هذه الأفكار ولكن كل هذه الأحلام اختفت مع روتين الحياة الرتيب الذي أخذ منه الكثير من الوقت ،

الآن وقت الصحو لابد من تتابع الحياة حتي وإن خيم اليأس في بعض الأوقات أخذ يفكر ويبدع في غرفته بمفرده بعيد عن زوجته التي كانت جزءً من تحطيم هذه الأحلام لأنها لم تهتم يوما بأي شيء سوي ما الذي صنعه الفنان هذا والفنانة تلك مع نفس الشكل الذي لم يتغير والمزاج المتعكر كلما أخذ يخبرها عن مشاكله في العمل ليجدها تخبره عن صديقاتها وما الذي قامت بشرائه هذه وتلك لقد ابتعد عن كل هذا ، ليعيد لنفسه روحه التي غابت عنه منذ سنين طويله ، ووالده الذي لم يذهب إليه منذ زمن بعيد ، لقد أخذ يتحدث في هاتفه ليخبر أبيه أنه سوف ياتي هو وزوجته علي العشاء

رحب الوالد كثيرا وأخذ يتحدث الجميع في فرح ويلهو الاطفال ويضحك الجميع من نكته ذكرها هذا وأخذت تضحك هذه وذكريات تعيد نفسها في أذهان الاب الكبير وذكريات طفولة أخذ يتحدث عنها وعن أيام الترف الأن وأيام المعاناة في الماضي ، أخذ الجميع يفخر بكل هذه الذكريات الجميلة كان الجو جد شاعري ، عادت الأسرة الي البيت اخذت تضحك زوجته من هذا الوجه الذي بدي عليه عندما تذكر أبيه مشاكل زوجها وهو صغير فقالت لا تنزعج مني فكلنا لنا مصائب ونحن صغار فأخذ يقول لها ذكريني في المرة القادمة إن لا اجعلكي تذهبين معنا اخذت تضحك

وقالت لن تذهب الي اي مكان بدوني ، ذهب نحو الغرفة وجلس بها يتذكر ما حدث اليوم وبدي علي وجهه الفرح ولاول مرة تتحدث زوجته مع العائلة ولا تكترث لأمر التلفاز أو الهاتف ، لقد شعر أنه كان محط إهمال لها أخذ يتذكر السنين التي مضت دون جدوي في الروتين اليومي يستيقظ مثل الآلة ليدخل الي دار الخلاء بينما تحضر له الفطور لا يلبس مليا حتي يحتسي بعض قطرات اللبن ويذهب مسرعا الي العمل وعندما يعود من العمل يكون في غاية الإرهاق يذهب نحو السرير ليرتاح لم يراعي أنها كانت تتأثر بكل ذلك كان يعتقد أنها هي التي أجرمت في حق نفسها وتركت نفسها للتلفاز والهاتف لم يدري أنه أجرم في حقها وحق نفسه هو الآخر ، ولكنه أخذ يراجع كل ما مضى من عمره عشر سنوات من التيه والأتربة التي بحاجه الي احد ليكشف عن كنوزها ذهب نحوها بصمت رهيب وكأنه مذنب يخشى لقاء من اذنب في حقه ، ذهب ليقول لها سامحيني لقد تركت كل شيء يسيطر علي كالمجنون لم أعي أني بهذا الشكل أُدمر عمري وعمرك

جلس جوارها علي الاريكة أمام التلفاز وقال لها أريد ا أن اتحدث معكي قليلا أرجو منكي أن تغلقي التلفاز، نظرت إليه في اندهاش ومنذ متي نتحدث ومنذ متي لي وجود في حياتك ؟ كانت كلماتها كالصاعقه التي هبطت علي قلبه ولكنه أدرك كلمتها الاخيره نظرت إلي الارض وهي تقول له بيأس شديد لقد أضعت حياتك قبل أن تضيع حياتي لقد جعلتني أتعلق باشياء تافهه ولكنها أصبحت عالمي الوحيد بعد أن أصبحت آلة للبيت ، لقد جعلتني أدرك قدري الحقيقي في حياتك ،انا لست غير خادمة اربي الاطفال واجهز الفطور والغداء والعشاء لا يوجد مجال للحديث بيننا ، امسك يديها بينما كانت عينيها تنزر بالرحيل نحو الغرفة

قال لها اريد ان تقولي كل ما لديكي أنتِ لديكي حق في كل كلمة تقوليها نظرت إلي عينيه التي بدى عليها الاشفاق من حاله وحالتها التي بدت نهاية البدايه ،واخذ يقول لها لقد اجرمت في حق نفسي قبل أن اخطئ في حقكِ لقد كنت مثل الآلة انا الآخر لقد سرق مني الروتين اليومي الكثير من الوقت حتي أصبحت عجوز ذو شعر اسود لقد سُرقت مني حياتي انا الأخر ، نظرت إلي وجهه الذي أخذ شكل الحائر الذي وجد ملجاء في حياته وأخذت عيونها تمطر دموع وقالت وهي تتألم لاول مرة أشعر أني كائن حي عندما ذهبنا الي ابيك اليوم ،مسح دموعها وأخذ ينظر إليها بينما كانت هي تضحك من ما فعل للتو لقد مسح دموعها أخذ الاثنين يضحكون مما حدث لقد بدي شعره متبعثراً أخذ يضحك عندما نظر الي المرآة ووجد شعره بهذا الشكل لقد علم مما كان الضحك ، قال لها علي أن أنام باكراً؛ لأجل أن اذهب الي العمل غدا إن لدي ميعاد هام جدا واخبرها بهذه البشرى السارة .

بعد مرور ثلاث سنوات بعد أن أصبح شخص مشهور وله مكانته في المجتمع ، أخذ بيد عائلته الصغيره الي المكان الذي كان يحب الجلوس به دوما لينظر الجميع إلي سحر الآفاق .

زر الذهاب إلى الأعلى