الدكتور عبدالله المصرى يكتب: أسطورة عروس النيل في عيد وفاء النيل

 

تبدأ إحتفالات عيد وفاء النيل في ١٥ أغسطس من كل عام وهو أول عيد يعرفه قدماء المصريين منذ فجر التاريخ لأن في هذا اليوم يصل النيل إلي قمة فيضانه (١٦ ذراعا ) فتروى الأرض الزراعية التي نبتت عليها الحضارة المصرية القديمة ، وهي أولي الحضارات الإنسانية علي الأرض ، وقد دار حول الاحتفال بالعيد العديد من الأساطير والخرافات أهمها : إختيار واحدة من أجمل البنات العذارى لتزينيها بأجمل الثياب والحلي والزينة ( الماكياج ) لتزف في احتفال بهيج ، وفي مظاهرة فرح من السفن والقوارب النيلية علي صفحة النيل الخالد ، وتلقي هذه العذراء الجميلة في النيل حتي لا يغضب فيبخل بمائه ويشح أو يفيض في ثورة غضب فيغرق الأرض والقرى ، وكانت كل فتاة تحلم بالزواج من النيل ( الإله حعبي ) الذى يفيض علي أرض مصر بالبركات الإلهية .

 

ولكن ثبت خرافة هذه القصة ( عروس النيل) لأن منطق الحضارة الفرعونية لا يقبلها ، ولا ورد ذكرها في الأدب الفرعوني ،ولا قصص السيرة ، ولا حاكتها البرديات، بل ورد في برديات معبد أبيدوس أن الاحتفال بعيد وفاء النيل يبدأ بصلاة الشكر ، والأناشيد الدينية في المعبد ، وعمل تمثال لإيزيس من المرمر أو الجرانيت الوردى وتزينه ، ثم يحمل علي السفينة المقدسة للمعبد ويلقي بهذا التمثال عند مقياس النيل ، وعلي صفحة النيل تلقي زهور اللوتس المقدسة والورود من كبار رجال الدولة وعامة الشعب ، وهذا يمثل بعث لروح أوزوريس( إله الخير والنماء ) ، وعودة عروسه إيزيس فيفيض النيل بمياهه وطميه ويدخل علي أرض مصر كما يدخل العريس علي عروسه فيخصبها فتحمل فتلد وتستمر الحياة .

 

كما أن برديات معابد إدفو ، ودندرة ، وبردية هاريس التي كانت في عهد رمسيس الثالث تروى أيضا أن الإله “حعبي” إله النيل كان يلقي له عروسه وهي تمثال للمعبودة ” رينينت ” في هذا اليوم ، وكان لإله النيل معبد في كل قرية أو مدينة تطل علي شاطئيه .

 

أما خرافة العروس البشرية روجها المؤرخ الإغريقي ( بلوتارك ) وروجها من بعده كُتاب الإغريق والرومان حيث قال : إن أحد ملوك مصر ويدعي ( أجيتوس) عندما تولي الحكم حدثت كارثة عدم فيضان النيل فنصحته الآلهة والكهنة أن يلقي بابنته في النيل قربانا ليرضي ويفيض ففعل ولما لم يفض شعر بالوزر تجاه ابنته فألقي بنفسه في النيل ليلحق بها ويهلك، وهذا كذب دون دليل لأن قوائم المؤرخ المصرى ( مانيتون ) لملوك وحكام مصر لم يرد فيها اسم هذا الملك ، ثم نقلت هذه الخرافة لبلاد الإغريق والرومان وإنتشرت واتخذوا من عروس النيل معبودة لهم وأقاموا لها المعابد .

 

وإمعانا في تصديق هذه الخرافة دس بعض المؤرخين والكتاب قصة فاتح مصر عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) عندما دخل مصر وشح النيل فذهب أهل مصر إليه يخبرونه عن احتفالهم بعيد وفاء النيل لإلقاء عروسه ( الفتاة العذراء ) الجميلة ليفيض فرفض قائلا: إن هذا لا يكون في الإسلام ..والإسلام يهدم ما كان قبله ، ولما دخل شهر مسرى ولم يزد كتب الي عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) فرد عليه : أصبت ومع كتابي هذا بطاقة ألقها في النيل ..فألقاها عمرو وكان فيها : إلي نيل مصر أما بعد ..فإن كنت تجرى من قبلك لا تجر ،وإن كان الله آلواحد القهار الذى يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك، ففاض النيل ووصل الي ١٦ ذراعا في ليلة واحدة .

 

ولكن هذه القصة أيضا من الخرافات لأن إلقاء العروس البشرية لا يتفق مع تعاليم الدين المسيحي الذى كان منتشرا في مصر قبل الفتح الإسلامي فكلها خرافات دون سند أو دليل .

 

والنيل له شأن كبير وهو نهر من الجنة كما روى البخارى في صحيحه عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :” رفعت إليٌ السدرة ( سدرة المنتهي ) فإذا أربعة أنهار نهران ظهران ونهران باطنان فأما الظاهران فالنيل والفرات وأما الباطنان فنهران في الجنة ” ، وقال عبدالله بن عمرو بن العاص: النيل سيد الأنهار .

 

يا ليت الاحتفال يكون بالحفاظ علي مياه النيل وكورنيشه من التلوث والمباني المقامة علي شاطئيه حتي تقل أعداد المترددين علي العيادات والمستشفيات ومعامل التحاليل في أنحاء مصر .

زر الذهاب إلى الأعلى