آراء

د. عاطف محمد كامل يكتب النظم الأيكولوجية والتدهور البيئي في الوطن العربي : التحدي والحلول والاستدامة

يشمل النظام الإيكولوجي الأسس البيولوجية وغير البيولوجيّة في مساحة محدّدة والعلاقات المتبادلة بينها، بما فيها تبادل الطاقة وإعادة تدوير الموادّ والمنافسة بين الكائنات ومثال على النظام الإيكولوجي هو الغابة الأمطار، الحرش، الشعاب المجانية، البحيرة، الصحراء. وتعزى خدمات النظام الإيكولوجي إلى الإجراءات الطبيعية والوظائف الطبيعية ذات القيمة لرفاهية البشر: التزويد بالغذاء، المياه، مواد البناء’ خدمات الثقافة وأوقات الترفيه والسياحة، خدمات التراث، الخدمات التنظيمية والتحكمية التي تشمل التلقيح ومراقبة المناخ والوقاية من الفيضانات وتآكل التربة.

ويترددُ اليوم في العالمِ العربي بصفةٍ عامة صدى المشكلاتِ البيئية، لعل أبرزها ما يواجهُ الإنسانُ من قضايا تهددُ المجتمعَ البشري، مثل ظاهرةِ تغير المناخ وتداعياتِ ثقبِ الأوزون والأمراض والأوبئةِ العابرةِ الحدودِ covid-19 وغيرها من المشكلاتِ التي تختلف من دولةٍ إلى أخرى كما تختلف جهود حمايةِ البيئةِ من دولةٍ إلى أخرى وذلك استنادا إلى ظروفها الطبيعية وحجمِ وتنوع ِالمواردِ المتاحةِ وكثافةِ السكان وتنوعِ التنميةِ الاقتصاديةِ ونظمهَا الاجتماعيةِ.

ومن أهم مظاهرَ الاختلالِ البيئي في العالمِ العربي تلوث المواردِ المائيةِ وذلكَ بسبب الإفراط في استعمالِ الأسمدةِ والمبيداتِ، وتوجيهُ مجاري الصرفِ الصحي بالمدنِ ونفاياتُها الكيماوية نحو الأنهارِ أو نحوِ مناطقَ فلاحية.

تواجه الوطن العربي تحديات بيئية ذات طبيعة شديدة بشكل خاص، فرغم أن المنطقة العربية غنية ببعض الموارد الطبيعية مثل النفط و الغاز، لكنها تواجه عجزاً خطيراً في موارد أخرى كالماء و الأرض الزراعية اللازمة لدعم متطلبات النمو. وعند الأخذ في عين الاعتبار سياق التحولات الديمغرافية المتوقعة والنمو السكاني، والتدهور البيئي في الماضي والحاضر، إضافة إلى أثر العولمة و التغيرالمناخي، فإن هذه العيوب تثير سؤلاً خطيراً: هل يمكن للموارد البيئية أن تدعم حياة الأجيال القادمة في الوطن العربي؟ كثيراً ما يُطرح هذا السؤال على المستوى العالمي مرتبطاً بانتشار التدهور البيئي ونضوب الموارد و انقراض الأنواع والتغير المناخي، لكن المنطقة العربية قد تكون من بين المناطق الأولى في العالم التي تواجه السؤال بشكل مباشر نتيجة لطبيعتها البيئية الفريدة.

وللبحارِ والمحيطات ومستنقعات المياه المالحة وأشجار المنغروف والشعاب المرجانية كنظم البيئية البحرية في العالم العربي نصيب من التلوثِ وذلك بسببِ ناقلاتِ البترولِ الضخمة بالإضافة إلى المخلفاتِ الصناعيةِ والكيماويةِ والغذائيةِ لمختلفِ المصانعِ. كما يعرفُ العالم العربي بإنتاجهِ للمواد والمنتوجاتِ الاقتصاديةِ النفطيةِ التي تؤدي إلى نفثِ الغازاتِ السامة في الجو مما يزيدُ من حرارة الأرض وتغيرِ المناخ .

ومن أهم المشاكلِ البيئيةِ التي تشكلُ تحدياً نظرًا إلى طبيعتها الصحراوية هي مشكلةُ التصحرِ وحدةِ الجفافِ وهذا بدورهِ أدى إلى تصحرٍ وجفافٍ مستمرين في بعض الدول العربية. ولقد أدى أيضا الانفجار السكاني والنمو الحضري المتسارع في المنطقة العربية إلى تدهور الخدمات والمرافق في كثير من المجتمعات الحضرية. إن التحديات والمشكلات البيئية التي تواجه المدن وخصوصًا الكبرى منها تتعدد وتتنوع بدءًا بعمليات التخطيط الحضري والعمراني وتوفير المسكن الملائم وما يتطلبه من خدمات ومرافق الماء والصرف الصحي، وتصريف الأمطار والنظافة والتخلص من النفايات وتأمين الأسواق العامة والمسالخ والطرق والكباري والإضاءة وتجميل المدن وإنشاء الحدائق العامة وأماكن الترويح فضلاً عن وسائل المواصلات والاتصالات وحماية البيئة من التلوث والضوضاء وتوفير الخدمات الأساسية للمعوقين.. ونحوها.

ومن أهم المشكلات والتحديات البيئية التي تواجه المدن والبلديات في معظم الدول العربية فيما يلي:1- عدم كفاية شبكة الصرف الصحي. 2- قرب مركز تجمع النفايات وحرقها من التجمعات السكنية في المدينة.3- عدم وجود معالجة جذرية لمكب النفايات.4- الزحف العمراني غير المنظم والتهجير.5- وجود الورش والمصانع داخل الكتلة السكنية.6- الاختناقات المرورية وما تسببه من تلوث الهواء.7- عدم وجود مختبرات كافية أو عدم كفاية المختبرات الموجودة.8- النقص في الأدوات اللازمة لعمليات النظافة.9- عدم وجود مشاريع للاستفادة من القمامة.10- انجراف الشواطئ والواجهات البحرية.11- الروائح الكريهة المنبعثة من محطات الصرف الصحي.12- عدم توفير التدريب في مجالات البيئة.13- الإسكان وتوفير المأوى.14- النظافة والتخلص من النفايات.15- شبكات المياه والصرف الصحي والتلوث.16- الرقابة على المواد الغذائية وحمايتها من التلوث.17- خدمات المرور والاختناقات المرورية.18- الكوارث وخدمات الطوارئ والإغاثة في المدن.19- القوارض والحشرات والبيئة.20- التصحر وإزالة الغطاء النباتي

التوصيات والحلول المقترحةلقد اصبح من الضروري النظر في كيفية تركيز الجهود وفي الطريقة المثلى لحماية النظم الإيكولوجية وحماية البيئة على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، ولعل من حسن الطالع أن الدول والمنظمات والهيئات الرسمية وغير الرسمية المحلية والإقليمية والدولية باتت توجه جهودها واهتمامها في السنوات الأخيرة نحو حماية البيئة والمحافظة على التوازن البيئي.ويجب إعداد استراتيجية لمعالجة القضايا والمشكلات البيئية والمحافظة على صحة البيئة وحمايتها في المدن العربية، وترتكز هذه الاستراتيجية على بعض الجوانب الجوهرية، مثل

:1- التركيز على البيئة وبرامج حمايتها من قبل الإدارات المعنية مع الأخذ بنتائج الدراسات البيئية وخاصة تلك التي تركز على النواحي الإنسانية والمستويات البيئية المطلوبة.
2- الاهتمام بمشكلة تغير المناخ وهي التي تكون ناجمة من شيوع المصانع، وازدياد في الحرائق الخاصة بواسطة الوقود أو غير ذلك. وهذا بدورها يؤدي إلى حدوث تغيرات مناخية تعمل على تغير كبير وواضح للغلاف الجوي مما يسبب ظواهر كالاحتباس الحراري. وتغير في الظروف المناخية. 3- اتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية من خلال أجهزة التخطيط للحاضر والمستقبل مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات بحسب الواقع للتخلص من النفايات، مواقف وسائل النقل داخل المدن، مواقع الحركة لتفادي الازدحام والاختناقات المرورية.4- ايجاد نظم معلومات وبيانات حول التلوث البيئي، وهذه ضرورية حتى يمكن تحليل الحوادث الناتجة عن المواد الكيمياوية والاشعاعات والثلوث بأنواعة،.5- الاهتمام بأطراف المدن والأخذ بأسلوب التخطيط الشامل والمتكامل للخدمات والمرافق المحلية وابتكار وسائل للتنسيق وإنشاء قنوات اتصال مستمرة بين الجهات والأجهزة المعنية بالخدمات البيئة والحضرية.6- دعم برامج توعية المواطنين وحثهم على حماية بيئتهم والابتعاد عن السلبيات التي تؤدي إلى التلوث والسلوكيات الأخرى التي ينتج عنها التدهور البيئي. من خلال البرامج البيئية في مجالات ندرة المياه و نوعيتها، و إنقاص المواد المستنفذة للأوزون، و معالجة النفايات الصلبة، وأساليب مبتكرة للنظام البيئي7- ايجاد أجهزة متخصصة تعني بقضايا البيئة للتنسيق مع الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال البيئة في جميع المشروعات التنموية والصناعية والزراعية والتجارية والخدمية ونحوها.8- اهمية وضع قوانين داخلية صارمة لحماية البيئة مع الأخذ بعين الاعتبار القوانين الدولية والإقليمية المرتبطة بالتأثير على البيئة.8- الاهتمام بالتقويم البيئي ودمج مشروعات البيئة في عمليات التنمية.9- تدريب وتأهيل منسوبي المدن والبلديات تدريبًا حديثًا في مجال صحة البيئة وحمايتها.10- إجراءات دراسات وبحوث متخصصة وتطبيقية في مجال صحة البيئة والتوازن البيئي.
الخاتمة

إن الحالة البيئية في الوطن العربي غير مستقرة ، مع تهديدات هائلة تتعلق بالاستدامة، ومخاطر التغير المناخى والتلوث بأنواعة وندرة المياة ، والتصحر والجفاف والنمو السكاني و زيادة الاستهلاك وهى مشاكل بيئية هامة تحتاج إلى جهود كبيرة لمعالجتها. وقد تطرقنا لمختلف العوامل المحركة التي تؤثر في النظم الإيكولوجية وتدهور البيئة، والكوارث البيئية مثل التغير المناخى والإحتباس الحرارى وتلوث المسطحات المائية الكبيرة. ونتمنى أن تبادر الأوطان العربية في تحديد المشكلات البيئة التي تهدد الوطن،مع إجراء الدراسات والبحوث المتخصصة والتطبيقية في مجال صحة البيئة والتوازن البيئي فالقضايا البيئية ذات دور أساسي في المحافظة على الاوطان.

كاتب المقال مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية- اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير التغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية

زر الذهاب إلى الأعلى