دين و دنيا

د حسنى ابوحبيب يكتب : الطريق إلى حزب الله

“أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون” (المجادلة: 22):سبحان الله خالق كل شيء ، خلق الخلق واصطفى من بينهم حزباً له ، شملهم برحمته ، واختصهم بعنايته ، ورفعهم لولايته ، وضمن لهم الغلبة والنجاح ، وبشرهم بالتأييد والفلاح ، لا يخلو منهم عصر ، ولا يُحرم منهم مصر.

والانضمام إلى ذلك الحزب له طريقان يؤديان إليه: الطريق الأول: وهو الذي يسلكه أكثر الناس ، وهو طريق العبادة والاجتهاد فيها ، والذكر والتفاني فيه ، إلى غير ذلك من أعمال هي بالجوارح ألصق ، وبالقوالب ألحق ، وهذا طريق العبّاد الذين يسيرون إلى الله بقوالبهم قبل قلوبهم.

أما الطريق الثاني: فهو للخاصة ، وهو طريق المحبة والعيش بها ، وهو طريق السير فيه يكون بالأفئدة والقلوب لا بالقوالب والأرجل ، وهو طريق المحبين.

وفي هذين الطريقين الموصلين إلى ذلك الحزب الفالح يقول سيدي ابن عطاء الله السكندري: “قوم أقامهم الحق لخدمته ، وقوم اختصهم بمحبته ، (كلاً نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً)”.

فأصحاب الفريق الأول: هم السائرون ، والآخرون: هم الواصلون ، وشتان بين السائر والواصل ، وبين أصحاب الخدمة وأصحاب المحبة ، على الرغم أنهم جميعاً ينتمون للحزب نفسه.

إن أصحاب ذلك الحزب أفردوا الله بودّهم ، واختصوه بمحبتهم ، فما شغلهم عنه والد ولا ولد ، ولا صرفهم عنه حرث ولا مال ، فهم معه ومع من معه ، يوادّون أهل ودّه ، ويحادّون أهل بغضه ، فبحبه يحبون ، وببغضه يبغضون ، وفي سبيله رضاه بأنفسهم يجودون.

لا يصلون إلا من وصله ، ولا يسالمون إلا من سالمه ، القريب والبعيد عندهم في هذا سواء ، فالقريب قريب منهم بقربه منه ، والبعيد بعيد عنهم لبعده عنه ، الأخوة بينهم قائمة ، والمودة لديهم دائمة ، لا يعرفون حبّاً إلا فيه ، ولا يبغضون إلا له ، فقلوبهم به معلقة ، وعقولهم به مشغولة ، إنهم حزبه وأهله وخاصته.

عبدوه لا من أجل جنة ولا نار ، إنما ساقهم إليه الحب ، ودلهم عليه الوجد ، وقادهم إلى حضرته العشق ، فاستغنوا به عن كل ما سواه ، ولم يطلبوا سوى رضاه ، أولئك حقاً حزب الله.

نظر إلى قلوبهم فلم يجد فيها نصيباً لأحد غيره ، عندئذٍ كتب فيها الإيمان ، وحببه إليها وزينه لها ، وكرّه إليها الكفر والفسوق والعصيان ، ملأها بالرضا بعد أن رضي عنها فرضيت ، وبشرها بالجنة بعد أن عرّفها لها فاطمأنت.

“أولئك حزب الله” أولئك الذين تولوه ورسوله والمؤمنين من عباده ، وأقاموا على طاعته ، وعاشوا وفق منهجه ، وماتوا على ملته ، صدقوه فصدقهم ، ونصروه فنصرهم ، وعظموه فأعزهم ، وحفظوه فحفظهم ، ألا إنهم الغالبون ، ألا إنهم المفلحون ، فغلبة في الدنيا وفلاح ، وفوز في الآخرة ونجاح.

جعلنا الله وإياكم من حزبه وأهله وخاصته بمنه وجوده وكرمه ورحمته.هذا وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

زر الذهاب إلى الأعلى