كانت زيارةً لا تُنسى لمنطقة “صحراء المماليك” التي تقع في الشمال الشرقي لمدينة القاهرة، وتعتبر أكبر مكان يحوي هذا العدد من الآثار الإسلامية في مكان واحد، تتجسّد فيها روعة وعظمة فن العمارة في العصر المملوكي، إذ تعبر عن حقبة زمنية تمتد لحوالي ألف عام، من العصر الفاطمي حتى أسرة محمد علي. وبحسب وزارة الآثار المصرية يوجد في “صحراء المماليك” أكثر من 35 مَعلماً أثرياً تجاوز عمرها الخمسة قرون.
من تلك المعالم مسجد السلطان المملوكي “الأشرف بن أبى الناصر قايتباى” في شارع السوق بحي منشأة ناصر في القاهرة، ويرجع تاريخه إلى عام 1474م، ونتيجة لجمال تصميم المسجد، رُسِمَ على الجنيه المصري ليكون شاهداً على عظمة بنائه.
لكن الأمر المحزن حقاً هو الإهمال الصارخ الذي تشكو منه المنطقة بأسرها ! القيمة التاريخية لها تستحق اهتماماً متعدّد الجوانب، من حيث الترميم والنظافة والترويج وجودة ودقة التعريف التاريخي بالمعالم الموجودة. لقد صادفتُ في هذا المنطقة أموراً مدهشة في غاية الروعة ومخالفة لما قيل لي من قبل ! وكلي ثقة أنها لو حصلت على حقها في الخارطة السياحية سيتضاعف عدد زوارها بشكلٍ لا يُصدّق !
إن الإدارات المعنية هناك بحاجة لاكتساب ثقافة إدارة الآثار وفهم قيمتها الحقيقية وبذل مجهود مضاعف لمنح هذه المنطقة ما تستحقه من اهتمام وإنقاذها من براثن الإهمال.
و تُعتبر منطقة “صحراء المماليك” التي تقع في الشمال الشرقي لمدينة القاهرة، من كنوز الحضارة الإسلامية العريقة،
حيث تتخذ المساجد فيها الشكل المتعامد، الذى يتكون من 4 إيوانات حول صحن مكشوف، ويتميز إيوان القبلة بحجمه الذي يفوق باقي الإيوانات، بينما تتميز المآذن بشكلها البديع، إذ أن شكل المأذنة ينتقل من الشكل المربع الذى يرمز إلى الأرض، إلى الشكل الإسطواني الذى يرمز إلى السماء، ثم تقل سماكته حتى يصبح مثمّناً يحمل قبةً محمولة على 8 أعمدة. كما تحتوى “صحراء المماليك” على مسجد إمام الصوفية الأكبر “جلال الدين السيوطي”، وهو من أبرز معالم الحركة العلمية والدينية والأدبية فى النصف الثاني من القرن التاسع الهجري.
لدى تجوالي بين هذه المعالم النفيسة والآثار التي يعجز الزمان عن تقدير قيمتها، كنت أسمع أصواتاً عالية، وأرى أسبابها أمام عيني، السياح بالآلاف من مختلف دول وحضارات العالم، مذهولون سعداء باكتشافهم لأمورٍ يدركون جيداً أنها لا تجتمع بهذه الكثافة سوى في هذه البقعة من كوكب الأرض. شاهدتُ الآلاف من الشباب والفتيات من أبناء مصر ينخرطون في ثقافة الآثار والسياحة وآلاف الفرص المجزية تنتظرهم بسبب ازدهار السياحة الثقافية وتزايد أعداد السائحين ولمعان هذه المنطقة ضمن أجندة السياحة والثقافة والآثار العالمية.
لقد استطعتُ تمييز المناشيتات العريضة التي تتناول الاكتشافات الأثرية المتواترة في أرض الكنانة، لتعلن عودة السياحة فيها لعصرها الذهبي.
كاتبة ومستشارة في مجالات الفنون والثقافة وأثرهما على الحضارة والمجتمعات- الامارات