آراء

د. الفت حلمى سالم تكتب : أكرم نفسك

سؤال حيرني كثيرًا جدًا كلما جلست أستمع إلى شخصي يمر بمشكلة أو ضائقة أُنصت إليه بقلبي وعقلي بل وكل مشاعري فيسرد قصته مؤكدًا لي أنه مجني عليه، ضحية لما مر به من الظروف… وأصدقه وأتعاطف معه.. ولكن.. على الجانب الآخر عندما أقابل خصمه في المشكلة ذاتها ونِدهُ في هذه الأحداث أجده أيضًا يؤكد لي أنه على حق وأنه مسلوب الحق مظلوم!!!!
وهنا كررت نفسي عليَّ السؤال.. أين الحق.. من المظلوم ومن الظالم.. ولماذا هذا الشعور الجارف بالظلم والاستشهاد ومشاعر المطحون بين ظروف الحياة وقسوتها ودروبها المختلفة…

لماذا يشعر الناس بكل هذا الظلم بل ويتعايشوا معه ويمتعهم الشعور بالضعف والاستكانة وكأنهم ليس لديهم من النعم التي وهبها الوهاب لهم شيء…. وقد تكون حياتهم فيها من السعادة أكثر من سبيل وطريق… و لكنهم يفضلون الشكوى والإحساس بالقهر والضغط.. ما هذا الشعور…

انه شعور غريب يتسلل للنفس لتصعب عليها نفسها وتكون في نظر نفسها مسكينة مقهورة، وقد يكون إعطاء للنفس أعذار لتخطئ وتستبيح الخطأ فبدل أن تحاسب نفسها تعذرها وتطيب خاطرها فهي مقهورة (يا حرام)… لقد فاتك أيها الإنسان قول رسولنا الكريم (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) إن القوة من سمات الشخصية السوية القوية فالمؤمن حين يخطئ يعترف بالخطأ بقوة ولا يشتكي لأحد ويعيش في دور يقلل منه ويُضعفه.

فكن قويًا أيها الإنسان أمام الأحداث، محاربًا كل الصعاب، متقبلًا لأقدار الحق برضى وتحدي واعلم أنك قوي بل تيقن من ذلك فأنت قوي لأنك مع القوي المتين، أنت عزيز لأنك مع صاحب العزة والجبروت، أنت مترفع لأنك مع المتعالي المتكبر..
كن عادلًا في نظرتك للأمور صادقًا معك قبل غيرك، اعط الحق لأصحابه وانتظر الجزاء من العدل البصير بعباده، ألم يقل سبحانه (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون) وقال كذلك (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَان) فإن الحق سبحانه أول ما وضع في الدنيا وضع (الميزان) ليطبق العدل بين عباده…

فعليك أيها الإنسان أن تستعمل هذا الميزان الذي وضعه الله من أجلك.. بتحكيم العقل وإبعاد المشاعر والعواطف الجياشة التي تضع ضباب على أعيننا فلا نرى الحقيقة، واعلم أن الله خبير بما تعمل فلا توهم الناس بشيء وبخواطرك شيئًا آخر وأظهر أمام الخلق بما يدور في نفسك فالله سبحانه خبير بما نعمل، فنحن حين نحتار في أمر ما أو مرض ما نقول سوف نحضر خبير ليبصرنا بالحقيقة لهذا الأمر أو هذا المرض… فما بالك بالخبير بعباده ونفوسهم وما يدور بعقولهم وصدورهم ويعلم هل أنت ظالم أو مظلوم.. هل أنت قاهر أم مقهور…
فارفض هذه المشاعر البائسة والمسكنة المُذلَّة والضحية الضعيفة، وارفع رأسك ومشاعرك وأحلامك عاليًا فأنت متوكل على القوي المتكبر الحي الذي لا يموت، فلا تميت بداخلك المؤمن المقاتل بل امنحه الثقة في نفسه، امنحه الذكاء المتقد ليعيش عالي الرأس فهو يستحق ذلك فلا تهين نفسك بمذلة وانكسار لا طائل منها ولا فائدة.

وارفع رأسك في السماء فإن الله أكبر… ألا تسمعها خمس مرات في اليوم تتردد على سمعك فتقَّوي بها واستعين بالقادر القدير فإنه سبحانه أكبر وأوسع وأعظم من كل شيء وحين تستعين به فأنت الرابح.
تربح السلامة النفسية، والتصالح مع الذات والطمأنينة الدائمة التي أنزل الله منهجه بها لتطمئن وتسعد… وتزيل عنك تلك المشاعر الضعيفة المهينة، فقد كرمك الله في قرآنه فأكرم نفسك أيها الإنسان بالعزة والكرامة والقوة.
فأنت تستحق ذلك.

كاتبة المقال دكتورة الفت حلمي سالم دكتوراة في الفلسقة الاسلامية

زر الذهاب إلى الأعلى