كتبت : سامية الفقى
ينتظر ١٥ طبيب وطبيبة تحديد مصائرهم غدا الثلاثاء ١٣ سبتمبر أمام محكمة جنح مستأنف قنا، مع نطق القاضي بالحكم يكون الفيصل بين منح لقب “سجين نهائي”، أو الإبقاء على صفة طبيب يستمر في أداء مهنته مهدداً بين حين وآخر، لتلحق به بيئة العمل لقب دائم ومعتاد “سجين محتمل”.
الواقعة بدأت عام ٢٠١٨ حين وضعت سيدة طفليها التوأم بمستشفى خاص بمحافظة قنا، عن حمل غير مكتمل تعدى عمره الشهر السادس بأسبوع واحد فقط، من بديهيات علوم الطب خارج معجزة الله، أن تتوفى ثمرة هذا الحمل، حدث هذا بالفعل مع الطفل في المستشفى الخاص ولم تحدث ثمة مشكلة، وكانت معجزة الخالق في شقيقته الطفلة فجعل الله أطباء سبباً في استمرارها بالحياة..وربما تكون هذه هي الجريمة المتهم بفعلتها ١٥ طبيب وطبيبة بمستشفى قنا العام.
تم تحويل الطفلة بعد ولادتها من المستشفى الخاص إلى حضانات مستشفى قنا العام، ليتابعها ويقوم على رعايتها الأطباء على مدار شهر كامل، وبعد خروج الطفلة متحسنة من المستشفى بأكثر من خمسة أشهر كاملة، تقدمت والدة الطفلة ببلاغ ضد الأطباء تتهمهم فيه بتسببهم في فقدان الطفلة لبصرها.
جميع التقارير الطبية من الجهات المتخصصة واستشاريين طب الأطفال والرمد أكدت أن استمرار هذه الطفلة في مثل حالتها على قيد الحياة هو قدر من الله وراءه مجهود وعناية طبية، وأن المستقر علمياً في جميع المراجع أن مضاعفات عديدة واردة الحدوث في هذه الحالة منها فقدان البصر نتيجة لنقص النمو وعلاجها بالاكسجين الذي لا يمكن الاستغناء عنه في الإبقاء على حياتها.
فقط طبيب شرعي منفرداً أودع تقريره ناسباً الإهمال في هذه الواقعة للأطباء، كان معه حكم محكمة جنح قنا على الأطباء بالغرامة والسجن لمدة عامين
حضرت النقابة العامة للأطباء جلسة استئناف الحكم في ١٦ نوفمبر العام الماضي متضامنة مع الأطباء، وأبدى محمود عباس المستشار القانوني للنقابة دفوعه في المرافعة أمام محكمة جنح مستأنف قنا بعدم دقة تقرير الطبيب الشرعي، وفند المستشار القانوني ما ورد بالتقرير من عوار وتناقض، وأجابت هيئة المحكمة طلب نقابة الأطباء بتشكيل لجنة ثلاثية من استشاريين الرمد وطب الأطفال والطب الشرعي، لإعداد تقرير دقيق ووافي..تنظر المحكمة القضية في جلستها بعد غد بعد ورود تقرير اللجنة الثلاثية.
ستحضر النقابة العامة للأطباء جلسة استئناف الحكم، وستبدي دفوعها وطلبها البراءة..أياً كان الحكم سواء الإدانة أو البراءة، فالتساؤل عن تأثير هذه الواقعة على أطباء عاشوها على مدار أكثر من أربعة أعوام، بين ارتداء البالطو الأبيض في أقسام المستشفى متنقلين بين أسرة المرضى، وبين الوقوف متهمين على أبواب غرفات التحقيق وفي ساحات المحاكم متواريين من أنظار المارة..تساؤل عن تأثير هذه الواقعة على أطباء غيرهم قرأوا عنها وتخيلوا أنفسهم أبطالها، تأثير الواقعة على أطباء يحملون دائماً لقب “سجين محتمل”.
دول العالم باختلاف مكانتها الاقتصادية والعلمية سبقت مصر في تشريع قانون للمسؤولية الطبية يضع أطر للعمل المهني الطبي وقواعد عادلة لما ينتج عنه من ضرر طبي، يعطي المريض حقه في تعويض مادي مناسب إذا كان الضرر ناتج عن خطأ من طبيب مؤهل واتبع الإجراءات والاحتياطات الواجبة، و كذلك يحمي القانون الطبيب من التهديد الدائم بالحبس ويبرءه إذا كان الضرر ناتج عن مضاعفات واردة الحدوث وأقرها العلم..لا نوجه النظر لدول أوروبية سبقت مصر في تشريع المسؤولية الطبية، فدول مثل ليبيا والأردن واليمن والسعودية والإمارات العربية أقرب مسافة وعلى مدى البصر والمناظرة.
على مدار أكثر من خمس سنوات، كانت ومستمرة المطالبات بصدور هذا القانون في مصر، تتخلل المطالبات تحذيرات وتنبيهات بمردود إستمرار هذا الوضع على المنظومة الصحية والمواطن المصري دون استجابة حقيقية..حتى اصطدمنا بواقع مؤلم أقرته به الحكومة المصرية وهو العجز الشديد في عدد الأطباء نتيجة للهجرة خارج مصر أو لهجرتهم المهنة.
مؤخراً وافقت جامعة المنصورة لطلاب كلية الصيدلة بها على الالتحاق بكلية الطب الشرعي بضوابط وشروط، سبقتها الجامعات الحكومية والأهلية بزيادة أعداد المقبولين بكليات الطب..التساؤل المطروح، هل الأطباء المحتمل زيادة أعدادهم بهذه القرارات سيستمروا في العمل داخل مصر في ظل استمرار بيئة العمل الحالية بنفس ظروفها!