أهم الأخبارآراء

محمد حربي يكتب: رسالة عربية لـ ” نتانياهو “


الطواغيت لا يقرأون التاريخ !. وقد علمتنا التجارب، أنه مهما طال ليل الاحتلال، فهو إلى زوال؛ لا محالة !. وكل ظالم، ومهما طغى؛ له نهاية معلومة، ومؤكدة !. وإن الحياة لمزَارع، وكل زارع، سوف يحصد ما زرع؛ فإن كان زرعه القصف، والتجويع، حصد الندامة، والكراهية!. وهذا ما ذكرنا به الأمين العام لجامعة الدول العربية- أحمد أبوالغيط، خلال اجتماع الدورة 161 لمجلس وزراء الخارجية العرب، موجها رسالته لقادة الاحتلال الإسرائيلي بقوله: ” كل يوم تمارسون فيه الإجرام في غزة، يبعدكم سنواتٍ عن التعايش والسلام في هذه المنطقة. وفي يوم قريب ستسكت المدافع؛ ولكن الغضب الذي زرعتموه في الصدور لن يزول. وبذور الكراهية التي نشرتموها في الأرض لن تُنبت سوى الرفض في المستقبل. وأوهامكم لن تتحقق مهما أمعنتم في القتل؛ فالفلسطينيون باقون على أرضهم، والتهجير القسري مرفوض، مرفوض، مرفوض فلسطينياً، وعربياً، وعالمياً”. وهي رسالة معبرةً عما يجيش به صدر كل عربي ثائر؛ كما تعيد للذاكرة زمن القمم العربية الداعمة للمقاومة الفلسطينية، ومن بينها قمة اللاءات الثلاثة: لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض، مع إسرائيل؛ والتي استضافتها مدينة الخرطوم السودانية عام 1967م.
ومن قبل، وبعد اللاءات العربية الثلاثة، الرافضة للاحتلال الصهيوني؛ منذ أول قمة عربية في “مدينة أنشاص ” المصرية عام ١٩٤٦ م.، وكذلك القمة الإسلامية الأولى في ” الرباط ” بالمغرب عام 1969م.، وحتى أخر قمة عربية إسلامية استثنائية في ” الرياض ” بالسعودية عام ٢٠23م. وعلى مدى سنوات طويلة، ظل الوعي العربي، والإسلامي أيضا، يقظاً، ويعرف من هو عدوه الحقيقي، وكذلك مدركاً لأهمية القضية الفلسطينية؛ وكان يعتبرها قضيته المركزية الأولى. ولدرجة أنه في حقبة تاريخية ما، حدث تلازما بين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي والإسلامي. وقد أنجز المد القومي، اتفاقية الدفاع العربي المشترك، التي لو كانت ما تزال تنبض بالحياة؛ لمَا كانت هذه الغطرسة الصهيونية، ولا استطاعت حكومة ” نتانياهو “، أن تستبيح دماء الأشقاء الفلسطينيين؛ ومن لا تستطيع أن تقتله قصفاً، جعلته يموت في حرب التجويع.
وسوف يتوقف التاريخ طويلاً، وتتأمل الأجيال القادمة، ما وقع في التاسع والعشرين من شهر فبراير لعام 2024؛ وهي تتساءل: كيف هدأت الأعصاب العربية ؟!. وكيف كان صمت العالم المخزي ؟!. فالحدث، مذبحة بشعة؛ قتلت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي، نحو 120 شهيداً، وجرحت أكثر من 700 فلسطيني، خرجوا وبطونهم خاوية؛ وهم يبحثون عما يسد رمقهم، وأبنائهم. فلحقوا هؤلاء الضحايا، بمن سبقهم من قوافل الشهداء، الذين تجاوزا نحو 30 ألف شهيد، بخلاف أكثر من12 ألف مفقود، وما يزيد عن 72 ألف جريح، “وفقا للجـهـاز الـمـركـزي للإحصاء الـفلسطيني”. ورغم كل جرائم إسرائيل بحق الشهداء، والجرحى، فمازال المجتمع الدولي يقف مكتوف الأيدي؛ حتى صوت المتباكين على الإنسانية غاب، ولم يعد أحد يسمع صوتا لدعاة حقوق الإنسان، وكأنهم: صم، بكم، عمي !.
وعلى رأي المثل الشعبي المصري: ” قالوا يا فرعون من فرعنك ؟!؛ فقال ما لقيت أحد يردني “. فمع بداية الشهر السادس، لأطول حرب عربية – إسرائيلية حتى الآن؛ ومازالت حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي مستمرة في تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية بحق الأشقاء الفلسطينيين، من دون أي رادع يردعها. ولم يعد خافيا على أحد سر تعنت ” نتانياهو”، واستمراره في صم آذانه عن كل نداءات وقف القتال؛ حيث يمكن ترجمة موقفه هذا، بما هو أبعد من المعلن في المبررات المختلقة، كالانتقام لكرامة إسرائيل المبعثرة، أو رد الاعتبار لهيبة الجيش الإسرائيلي، التي أسقطتها المقاومة يوم 7 أكتوبر عام 2023م. وقد بات الجميع يدرك أن المخطط الصهيوني الحقيقي، هو تهجير الشعب الفلسطيني، وخلق نكبة جديدة.
وإذا كانت الأمة العربية، قد تحملت النكبة الكبرى عام 1948م.، فلا ينبغي لهذا السيناريو أن يتكرر مرة أخرى – فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين -، ولابد من موقف عربي، يتناسب مع الحدث. و ليس من الحكمة أن تظل الأمة تستجدي المجتمع الدولي في مواجهة إسرائيل، بالنيابة عنها. وحقا: ” فما حك جلدك، مثل ظفرك”. ولابد للأمة العربية أن تأخذ خطوة عملية، لكبح جماح ” النتن ياهو “. وحينما يرى العالم قوة الموقف العربي، قد يبادر للوقوف بجانب الحق؛ فالأقوياء هم الذين يكتبون ديباجة النهاية. وإذا كان التاريخ، قد سجل وبأحرف من نور المحاكمة التاريخية التي قامت بها دولة جنوب أفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي يوم 26 يناير عام 2024م.؛ إلا أنه ليس من المقبول أن يعيش العرب في جلباب الحكيم الهادئ، أو كما يقول المثل الشعبي المصري: ” أمه ساكته – أي صامتة- ومرات – أي زوجة – أبوه شايله الطين – أي تضعه على رأسها – “.
وقد حان الوقت لرسالة عربية قوية للعالم؛ تذكره بمصالحه الإستراتيجية مع العرب، قبل أن تخاطب ” نتانياهو “، بسوء العاقبة، وأنه لن يحصد إلا الحصاد المر من حرب غزة؛ وسوف يدفع الثمن، ليس سياسيا أمام الإسرائيليين في اليوم التالي، عندما تسكت أصوات المدافع؛ سواء في صناديق الانتخابات، أو بإخراج قضايا الفساد له من الأدراج؛ ولا حتى ملاحقته أمام الجنائية الدولية، فحسب. ولكن الأهم أن يفهم هو، والعقلية الإسرائيلية جميعا، أهمية تغيير ثقافتهم، وإلقاء أحلامهم التوسعية في البحر، وأنهم لن ينعموا بالأمن على حساب الحقوق الفلسطينية. وأن المظلة الحقيقية للإسرائيليين، ليست في ” الفيتو ” الأميركي، بل في قبول حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس.
كاتب وصحفي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى