أهم الأخباردين و دنيا

د. حسني ابوحبيب يكتب: وصية الله للأولين والآخرين

“وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ” (النساء: 131).تلكم وصية الله تعالى للأولين والآخرين من عباده ، بأن يتقوه فلا يخالفوه ، ويطيعوه فلا يعصوه ، ويخافوه فلا يأمنوه ، لأنه تعالى أهل لكل ذلك ، “هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ” (المدثر: 56).

نعم على العاقل الفطن أن يأخذ تلك الوصية مأخذ الجد ، فيسلك بها طريقاً من طرق الطاعة متحرّزاً بها من غضب الله تعالى وعقابه ، وأن يكفّ نفسه عن كل مخالفة للشارع فعلاً كانت أو تركاً ، حبّاً له سبحانه وخشية منه ، وأن يكون راجياً خائفاً ، فلا ينبغي له أن يقنط من رحمة ربه ، كما لا ينبغي له أن يأمن مكره ، حتى لا يكون من الخاسرين الضالين ، “…فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ” (الأعراف: 99 ، “…وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ” (الحجر: 56).

لكن قد يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده: لماذا جعلها الله تعالى وصيته لعباده أجمعين ؟؟.بداية نقول: لقد منّ الله تعالى على الأولين والآخرين من عباده بهذه الوصية الجامعة المانعة رحمة منه ولطفاً ، لينالوا بها خيري الدنيا والآخرة ، فهي خير زاد لأعظم معاد ، “وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ” (البقرة: 197) ، كما أنها خير لباس لأفضل ناس ، بها يستترون عن عذاب الله ويتقونه ، كما يتقي المرء بلباسه الحر والقر ، “وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ” (الأعراف: 26).

لقد جمع الله تعالى في تلك الوصية كل الخير ، كما جعلها مفتاحاً لكل خير ، وسبباً موصلاً لكل سعادة ، بها ينال المرء ولاية الله ونصره ، كما يفوز بأمنه وأمانه ، فلا همَّ يأتيه ، ولا حزن يُرْديه ، “أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ” (يونس: 62 ،63).

كذلك تـُورث المتصفين بها جنة الرحمن ، “تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا” (مريم: 63) ، وهي مفتاح العلوم ، وسُلَّم الوصول ، ومعراج القبول ، “وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ” (البقرة: 282).

وبها يُستجلب الرزق ، ويُفرّج الكرب ، ويتسع الضيق ، ويتضح للسالك الطريق ، “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” (الطلاق: 2 ، 3).

كما أن بها يتيسر كل أمر ، ويسهل كل صعب ، وبفضلها تنحل العقد ، وتُتقى المكاره ، وتلين الشدائد ، “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا” (الطلاق: 4).

أيضاً بها تُنار البصائر ، وتُوقظ الضمائر ، ويظهر الحق ، وينمحق الباطل ، أهلها لا يقعون في لبس ، ولا يخافون من بأس ، سيئاتهم مكفورة ، وذنوبهم مغفورة ، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ” (الأنفال: 29).

وهي النجاة ساعة الشدّة ، والأمان يوم الفزع ، والفرج وقت الكرب ، لا يترك الله تعالى أهلها متى خاف غيرهم ، بل ينجيهم من كل ما أهمهم ، “ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا” (مريم: 72).

وهي ثمرة لكل طاعة ، وتاج لكل عبادة ، من أجلها أنزل الله الميثاق ، ولها وضع الحدود ، وبها فرض الفروض ، ومن اجلها وضع الصراط وأبانه ، ووصى باتباعه وأقامه ، كل ذلك بها ولها ، اقرأوا الآيات التي ختمها الله تعالى بقوله: “لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 21 ، 63 ، 179 ، 183 ، الأنعام: 153) ، حتى تعرفوا مكانتها ، وتعملوا لتنالوا درجتها ، ولا تحرموا منزلتها.

كما أن عليها مدار القبول ، فلا يقبل الله إلا من أهلها ، ولا يُرفع عمل إلا بها ، “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ” (المائدة: 27).

ولأهلها أعدّ الله جنة عرضها السموات والأرض ، “وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ” (آل عمران: 133) ، وذلك بعد أن هداهم بكتابه وقصر هديه عليهم دون غيرهم ، “ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ” (البقرة: 2) ، فضمن لهم الفوز في الدنيا والآخرة ، “إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا” (النبأ: 31) ، كما ضمن لهم بمنّه وجوده حسن الخاتمة وسلامة المآل ، “وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ” (ص: 49) ، وطمأنهم فألقى في روعهم أن العاقبة لهم ، “إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ” (هود: 49) ، ووعدهم خير الدنيا والآخرة ، وبشرهم بأن الآخرة أُعدّت لهم وحدهم ، “وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ” (الزخرف: 35)

“رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا” (الفرقان: 74).هذا ، وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

زر الذهاب إلى الأعلى