آراء

الربط الكهربائي بين مصر وأوروبا طاقة نظيفة وشراكة استراتيجية

بقلم : م.خالد محمود خالد

في خطوة جريئة تعكس طموحًا إقليميًا متصاعدًا، بدأت مصر أولى مراحل التنفيذ الفعلي لمشروع الربط الكهربائي مع كل من قبرص واليونان، في إطار مشروع “EuroAfrica Interconnector”، الذي يهدف إلى تصدير الكهرباء المصرية، لا سيما المولدة من الطاقة المتجددة، إلى القارة الأوروبية.

التحرك المصري، الذي نال تغطية واسعة من وكالات أنباء عالمية مثل رويترز وبلومبرج والجزيرة الإنجليزية وBBC News، يأتي في توقيت بالغ الأهمية، إذ يشهد العالم تحولات عميقة في مشهد الطاقة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أصوات المطالب الأوروبية بالبحث عن بدائل آمنة ونظيفة للطاقة، بعيدًا عن الغاز الروسي.

الربط الكهربائي بين مصر وأوروبا ليس مجرد مشروع تقني، بل هو خطوة جيوسياسية ذات بعد استراتيجي، تعزز موقع مصر كمحور إقليمي للطاقة، وتجعل منها شريكًا موثوقًا لأوروبا في زمن الأزمات.

ويهدف المشروع إلى إنشاء خط كهرباء بحري عالي الجهد (HVDC)، يمتد لمسافة تتجاوز 1300 كيلومتر، ينقل الكهرباء من مصر إلى قبرص، ومنها إلى اليونان، ثم إلى دول الاتحاد الأوروبي. وستكون محطة بنبان للطاقة الشمسية، وهي الأكبر في إفريقيا، مصدرًا رئيسيًا للكهرباء المُصدرة.

إيجابيات المشروع لمصر

1. تحقيق فائض مالي كبير من تصدير الكهرباء، يعزز من احتياطي النقد الأجنبي.

2. تعزيز الثقة الدولية في مصر كمورد موثوق ومستقر للطاقة، ما يفتح الباب لمزيد من الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة المتجددة.

3. خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في مجالات التصنيع والتركيب والصيانة.

4. تسويق الطاقة النظيفة المصرية كبديل استراتيجي للطاقة الأحفورية، وهو ما يتماشى مع التزامات مصر في ملف المناخ.

5. ربط مصر فعليًا بأوروبا في مشروع طاقة عابر للحدود، ما ينعكس سياسيًا على وضعها الإقليمي.

التحديات المحتملة

رغم ما يحمله المشروع من آفاق واعدة، إلا أنه يواجه عددًا من التحديات الفنية والسياسية:

التعقيد الهندسي للمشروع، خاصة أن الخطوط البحرية تمر بمناطق ذات أعماق كبيرة في المتوسط.

التوترات الجيوسياسية في شرق المتوسط، لا سيما العلاقة المتوترة بين تركيا من جهة، واليونان وقبرص من جهة أخرى، وهو ما قد يُلقي بظلاله على المشروع.

الطلب المحلي المتزايد على الكهرباء داخل مصر، ما يتطلب تحقيق توازن دقيق بين التصدير وتلبية الاحتياجات الداخلية.

التمويل الضخم المطلوب، إذ يُقدّر المشروع بأكثر من 4 مليارات يورو، ما يستدعي تأمين تمويل دولي طويل الأجل.

نقلة نوعية لمستقبل الطاقة المصري

ورغم التحديات، فإن المشروع يمثل نقلة نوعية في رؤية مصر لمستقبل الطاقة، ويجسّد قدرتها على الانتقال من دولة مستهلكة إلى دولة مصدّرة للطاقة النظيفة، في ظل ما تمتلكه من موقع جغرافي متميز، وشبكة علاقات إقليمية معقولة، وخبرة تراكمية في تنفيذ مشروعات بنية تحتية عملاقة.

إن مشروع الربط الكهربائي المصري الأوروبي ليس مجرد كابلات تُمدّ تحت البحر، بل رؤية عابرة للقارات، تؤسس لمستقبل جديد، تتكامل فيه مصر مع أوروبا في قطاع بالغ الحساسية والأهمية، وتعيد رسم خريطة النفوذ الطاقوي في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى