آراء

شعبان شحاتة رئيس القلم الشرعي بالعدوة يكتب: إذا اشتبه عليك الحد فادرا ما استطعت

مبدأ درء الحدود بالشبهات:قال عمر بن الخطاب في رسالته لابي موسى الاشعرى رضـي الله عنهما “أن الله تبـارك وتعالى تولى منكم السرائر ودرأ عنكم الشبهات” وفي رواية ابن ماجة “ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعـا، وقد طبق عمر بن الخطاب مبدا “درء الحـدود بالشبهات” فروى أن غلمانا لابن حاطب بن ابی بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة فـأتى بـهم عمر بن الخطاب. فاقروا، فامر كثير بن الصلت بقطع ايديهم فلما ولی رده ثم قال : أما والله لولا انى اعلم انكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى أن احدهم لو اطل ما حرم الله عليه لحل لـه لقطعت ايديهم، ثم وجه القول لابن حاطب بن ابی بلتعة فقال : وايمن الله إذ لم افصـل ذلـك لاغرمنك غرامة توجعك اثم قال : يا مزني، بكم اريدت منك ناقتك ؟ قـال : باربعمائـة قـال عمر بن الخطاب لابن حاطب إذ هب فاعطه ثمانمائة.

وقد ذكر ابو داود في سننه : حدثنا عبد الوهاب بن بجده أن قوما من الكلاعيين سـرق لهم متاع فاتهموا اناسا من الحاكة فاتوا النعمان بن بشير صاحب النبي صلى الله عليـه وسـلم فحبسهم اياما ثم خلى سبيلهم فاتوا النعمان فقالوا : خليت سبيلهم بغير ضرب ولا امتحان ؟فقال النعمان ما شئتم أن شئتم أن اضربهم فان خرج متاعكم فذاك والا اخذت من ظـهوركم مثل ما اخذت من ظهورهم فقالوا هذا حكمك فقال هذا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليـه
وسلم

وكذلك لنا في رسول الله اسوة حسنة فعندما جاءه ماعز بن مالك الذي اعـتـرف على نفسه بالزنا. فقد ظل يجئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بعد مـرة يعـترف لديـه
والرسول صلى الله عليه وسلم يرده حتى اعترف اربع مرات فعاد الرسول يسأله ويسـتوضحه وينفي له التهمة أو يفتح له طريق الخلاص فيتحول له لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ومـاعز يصر ويقول لا فقال ازنيت ؟ قال نعم قال فهل تدرى ما الزنا ؟ فما اقام الرسـول صلـى الله عليه وسلم الحد حتى اطمأن اطمئنانا كاملا أنه يصر على الاعتراف ولا يريد أن يـدرا عـن نفسه العذاب وكذلك يجب أن لا يكون التجسس من وسائل الاثبات.

وقد روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر ببيت رابته منه اصوات فتسـلق الجدار فوجد قوما يشربون ويغنون فاراد أن يعاقبهم فقال له صاحب الدار لقد خـالفت الله في واحدة (شرب الخمر) أما انت فخالفته في اثنتين فقال عمر : وما ذاك ؟ قال أن الله تعـالى يقول : “ولا تجسسوا وانت تجسست علينا ويقول “وائتوا البيوت من ابوابها وانـت تسـلقت أو تسورت علينا فلم يجد عمر امامه ألا أن يستتيبه.وقد قال الامام ابن حزم الظاهري رحمة الله (فان لم يثبت الحد لم يحل أن يقام بشـبهة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دماءكم واموالكم واعراضكم وابشاركم عليكم حـــرام
وقال ايضا واما إذا تبين وجوب الحد فلا يحل لاحد أن يسقطه لانه فرض مـن فرائـض الله تعالى.

وقال الله عز وجل “قل فادرءوا عن انفسكم الموت أن كنتم صادقين وقال تعالى “فادارأتم فيها أي بمعنى تدافعتم.وقال تعالى : “يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أن بعض الظن اثــم” وقـد درا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحد للجهل به فروى عبد الرازق عن معمر عن قادة قال “تسرت امراة غلاما لها فذكرت لعمر بن الخطاب فسالها ماحملك على هذا ؟ فقالت كنـت أنه يحل ما يحل للرجل من ملك اليمين، فاستشار عمر فيها اصحاب النبي صلى الله عليـه وسلم فقالوا تأولت كتاب الله تعالى على غير تأويله. فقال عمر : لا جرم والله لا احلـك لحـر بعده ابدا كانه عاقبها بذلك ودرا الحد عنها وامر العبد أن لا يقربها”

وروى عبد الرازق قال : (عن عكرمة قال قضى عمر بن الخطـاب فـى المـراة إذا غلبت على نفسها فأفضيت (أن ذهبت بكارتها) أو ذهبت عذرتها بثلث ديتها وقال لاحد عليـها”
فعمر رضي الله عنه لم يقيم الحد على هذه المراة لانها مستكرهة وذكر أيضا أن عمر بن الخطاب رضي الله درا حدا القطع في السرقة في عام الرمادة لوجود الشبهة وهو الجوع الشديد وروى عن عمر بن الخطاب رضـى الله عنه قال : لان اخطئ في الحدود بالشبهات احب إلى من أن اقيمها بالشبهات ”
وكذلك ما روى عن ابن مسعود ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر رضي الله عنهم انــهم قالوا : (إذا اشتبه عليك الحد فادرا ما استطعت).ويقول الاستاذ عبد العزيز عامر : (ومبدأ درء الحدود بالشبهات القائم فـى الشـريعة الاسلامية قد اخذت به التشريعات الجنائية الحديثة وان كانت لم تلتزم تعبيرات الفقــاء فـي الشريعة الاسلامية فلا ريب في أن تغير الشك لمصلحة المتهم المسلم في التشريعات الحديثـة،إلا من باب درء الحدود بالشبهات وتطبيقاته عديدة لا يحيط بها الحصر منها : أن الشـك إذا قام لدى المحكمة في توافر ظرف من الظروف المشددة في جريمة من الجرائم كمـا فـي الاكراه في السرقة فانها تستبعد هذا الركن وتقضي في الواقعـة علـى اسـاس انـها سـرقةما هو عارية)(٨٢) قال ابن الهمام “وايضا في اجماع فقهاء الامصار على أن الحـــدود تـدرأ بالشبهات
كفاية”.

قال أحد الفقهاء : يكفينا أن نقول “حيث اجمعنا على اقامة الحد سالما عن الشبهة ومـا قصر عن محل الاجماع لا يلحق به عملا بالاصل حتى يدل دليل على اقامة الحد في صــور
الشبهات وهو جواب حسن”.

واتفق الفقهاء : على درء الحد عن المشهود عليه إذا نقص عدد الشهود عن الحد الموجب لاقامة الحد. فلا حد على المشهود عليه فلو نقص عدد الشهود بالسرقة أو الشرب أو القذف أو سائر الحدود عن المشاهدين وكذلك في جريمة الزنا لابد من توافر اربعة شهود لاقامة الحـد فاذا نقص نصاب الشهادة عن العدد المطلوب فلا حد وكذلك بدرء الحد عن المشهود عليـه إذا كان في الشهود من لا تقبل شهادته كالمجنون والكافر والفاسق والصبي والعبد وفي هذه الحالـة
يجب ردء الحد عن المشهود عليه باتفاق الفقهاء.

وبالنسبة للمرتد عن دين الاسلام الفقهاء متفقون من حيث الجملة على أن المرتـد لا يحد إلا بعد استتابته.إن من حكمه التشريع الاسلامي درء الحد عن المتهم كل ما امكن ذلك وبـالرغم مـن معاقبة المجرم من اجل القضاء على الجريمة في المجتمـع الاسلامي وتوجـد كـثـيـر مـن الضمانات في الشريعة الاسلامية للمتهم. ويقول الله تعالى “يا ايها الذين امنوا أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينـوا أن تصيبـوا قومـا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” سورة الحجرات آية 6.

وقد ذكر الاستاذ محمد قطب فقال : فبينما كانت القوانين في الدول القديمة وما زالـت في الدول الجماعية في الوقت الحاضر-تشط في عقاب المجرم لانه وهو فرد ضائع لاكيان لـه يعتدى على الكيان المقدس كيان الجماعة.نجد أن الاسلام يمسك بالميزان من منتصفه فلا يميل في جـانب الفـرد ولا جـانب الجماعة لانه لا يراهما فردا وجماعة منفصلين ولا يعتبرهما معسكرين متقابلين … إذ ينظـر مرة بعين الجماعة فيرى حقها في الطمأنينة على نفسها والمحافظة على حقوقها فيمنع العـدوان عليها ويعاقب المعتدين.وينظر الاسلام في ذات الوقت إلى الفرد فيرى دوافعه إلى الجريمة سواء كانت منبعثـة من داخل النفس أو من الظروف الاجتماعية والاقتصادية … الخ ويعمل على ازالتـها بكـل طريقة ممكنة قبل أن يوقع العقوبة.

زر الذهاب إلى الأعلى