سحر الزارعي تكتب : ثورة الخلاف.. وثقافة الاختلاف

نادراً ما يخلو حديث من أحاديثنا من جدالٍ يصل به المطاف لخلاف حول إحدى وجهات النظر في موضوعٍ ما. هذا الخلاف كثيراً ما يقدح بشكلٍ أو آخر بذوق أو بمعرفة أو بهوية أحد أطراف الحديث، ولا أعتبرها مفاجأة إذا أخبرتكم أن الحديث قد يكون عن أجود أنواع الشوكولاتة !!

 

عندما يبدأ أحدنا بتشكيل الصورة الذهنية الأولية لأي اعتقادٍ ما يأتيه من خلال المصادر المختلفة تكون الصورة لديه باهتة، ثم يبدأ بمنحها بعض الألوان والظِلال والتفاصيل المختلفة حتى تظهر الصورة بشكلٍ متكاملٍ واضح ومقنع تماماً له، هذه الصورة يستدعيها الذهن كلما نوقش ذات الموضوع لتكون حاضرةً أمامه وهنا يقوم بشرحها للآخرين.

 

السؤال الأهم هنا.. هل هذه الصورة بالتحديد هي الصورة الصحيحة الوحيدة المعبّرة عن هذا الموضوع ؟ كيف يمكن لإنسانٍ مثقّف أن يطعن في سلوك أصدقائه وذوقهم وفكرهم لأنهم يقرؤون في مجالاتٍ حياتية لايقتنع هو بها !!

 

عدد من المثقفين والمثقفات لا يشعرون بأنفسهم وهم يدخلون فخاً سلوكياً يُظهرُ ضحالة فكرهم وثقافتهم ويخدش سمعة أسمائهم في الأوساط الثقافية والصالونات الأدبية، والأدهى من ذلك تجدهم يتبجّحون بإلقاء التُهم والانتقادات اللاذعة لبعض القامات الفنية والثقافية المعروفة لمجرّد اختلاف التوجّه الفكريّ أو الثقافيّ أو بعض وجهات النظر المتخصصة في حقلٍ ثقافيّ معين.

 

في مجتمعاتٍ مدنيّة عدة نجد المثقفين والمفكّرين يرون في الاختلاف الثقافيّ والفنيّ نضجاً عاماً وتنوّعاً ثرياً غزيراً يمنح إضافة مهمة للمجتمع ويضفي على سمعته رونقاً خاصاً وتفوّقاً مهماً. الاختلاف لديهم هو تضافرٌ لرؤى ووجهات نظر وطرقٍ في التفكير ومدارس ذات تجارب متنوّعة في سياقٍ إيجابيّ بنّاء يسعى لأهدافٍ ومصالح مشتركة تحت مظلةٍ من الثوابت التي لا جدال فيها كالوطنية والانتماء.

 

متى سنخرج من الزاوية الضيقة التي ترهق عدساتنا إلى محاور متسعة الأفق رحبة الصدر مرحّبة بالتعارف مع كل جديدٍ ومختلف، متى نكتسب خاصية الإنصات للآراء التي تخالفنا والتي غالباً ما تثرينا وتصقل تجاربنا، سواءً قبلناها أم رفضناها !

 

نحن في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي أعتبرها “عاصمة التنوّع” في الشرق الأوسط، لدينا فرص ثمينة لتوسيع المدارك والآفاق والتعارف مع الحضارات المختلفة والثقافات المتنوّعة، والتي تشكّل معاً فسيفساء بديعة تمنح من يفهمها قوة المعرفة والمناعة من محدودية الرأي الأوحد وثقافة اللون الواحد.

 

لا تنظر لمن يختلف معك على أنه خصم ينوي سلب قناعاتك، بل هو بحرٌ زاخرٌ بالصور والألوان والأفكار والمعلومات، التي تضيف لرصيدك المعرفي مهما كان موقفك منها. العلم نورٌ سواءً كان علماً بالمفيد للاستفادة والإفادة منه أو بالضار لمعرفة جوانب ضرره، وبالتالي تفاديها والتحذير منها ومقارعة أصحابها بالحجة والبرهان.

 

فلاش:

انظر لصورة تعجبك.. هل تتكوّن من لونٍ واحد فقط ؟!!

زر الذهاب إلى الأعلى