حوار: محمد حربي
أكد الدكتور علي عبدالحليم، أستاذ علم الآثار بجامعة عين شمس، مدير المتحف المصري، أننا دخلنا عصر الرقمنة، الذي سيسهم استثماره في رفع الوطني، موضحا أن لكل مرحلة زمنية فكرها الاستثماري، مشيرا إلى أن استثمار الآثار ليس ماديا فحسب، بل فكريا أيضا، ونظرة العالم لنا بأننا أصحاب حضارة راقية، ويكفي أن ” علم المصريات” متفرد عالميا، بل هناك ما يطلق عليه ” الهوس بعلم المصريات”، ومع توظيف التحول الرقمي، سوف يفتح لنا المستقبل ذراعيه .
وقال الدكتور علي عبدالحليم، في حوار خاص لـ ” العمال”، بمناسبة إقامة أول معرضًا افتراضيًا عن التراث الافتراضي بين مصر وإيطاليا، تحت عنوان “تجربة التراث الافتراضي – جسر رقمي بين مصر وإيطاليا”، لدعم التراث الثقافي العالمي، و واتاحة الفرصة لجميع فئات وأطياف المجتمع للتعرف على تراث وثقافة بلادهم، بالإضافة إلى تعرفهم على حضارة الشعوب الأخرى ورفع الوعي الأثري والثقافي لديهم، بحضور مؤمن عثمان رئيس قطاع المتاحف، والسفير الإيطالي بالقاهرة، واختتم اليوم 9 مارس.
وأوضح الدكتور علي عبدالحليم، أن هذه المبادرة جاءت في إطار الاستراتيجية التي تدعمها وزارة السياحة والآثار، والسفارة الإيطالية، لتعزيز دور المتحف الافتراضي لنشر الوعي السياحي والثقافي والأثري ، من خلال استخدام تقنية الفن الرقمي، وهو التحول الرقمي إلى 360 درجة، و الرسوم المتحركة الرقمية ثنائية الأبعاد 2D، والواقع الافتراضي التفاعلي ثلاثي الأبعاد، والذي يعد أداة هامة لتعزيز أهمية التراث الثقافي، وتوفير فرص إضافية لحفظه، من خلال رحلة افتراضية تتيح للزائر زيارة بعض المواقع الثقافية والسياحية الأكثر شهرة في كل من القاهرة و بعض مدن إيطاليا.
واشار الدكتور عبدالحليم، إلى أنه عندما اعلنت الدولة عن خطة 2030، وكان من بينها مجال متميز جدا، وهو التحول الرقمي، ووضعه ضمن أولويات أجندة السياسات والخطط، وكنت من أشد المعجبين بها، حيث وجدت فيه أهمية كبيرة لخدمة البحث العلمي، ووجدت في هذه الفكرة آفاق تبعث على الأمل والتفاؤل في غد مشرق.
لافتا إلى إنه ظل لفترة طويلة، يشغل ذهنه هذا الفكر، وإن كان لم يكن يستخدم مصطلح التحول الرقمي، إلى أن أعلنت عنه الدولة، ووجد أنه يتلاقى مع نفس المفاهيم التي يؤمن بها، في أهمية التوجه نحو مواكبة العصر، والرقمنة.
وأضاف أنه، حينما عاد من ألمانيا في عام 2010، كان من المحظوظين، أن أعلنت جامعة عين الشمس، التي يعمل بها كأستاذ جامعي، تغيير اللائحة، مما جعله يستثمر الفرصة، بتقديم مقرر دراسي، بقسم الآثار ” كلية الآثار الآن”، في كلية الآداب، بالجامعة، عنوانه” التقنيات الرقمية في البحث الأثري”، تخدم الآثار، باستخدام التكنولوجيا الحديثة، لخدم توثيق الآثار، التي هو يوليها اهتماما، وعناية خاصة. حيث يتعلم الطلاب كيفية كتابة الهيروغليفية على الكمبيوتر، وكذلك الرسومات والآثار، حيث كان يتم ذلك يدويا في الماضي.
مشددا على أنه قد استمر اهتمامه، بالتكنولوجيا الحديثة، وتوظيفها في مجال الآثار، إلى أن جاءت مرحلة انتدابه من السياحة والآثار، ليكون مشرفا على البحث العلمي، بإدارة النشر العلمي بمقر الزمالك، وبالتالي ظل ذهنه معلقا بفكرة النشر الرقمي، بما له من مزايا كثيرة، وسرعة انتشار، عبر المواقع الإلكترونية.
ونوه الدكتور عبدالحليم، إلى أنه عندما تم تكليفه بمهمة إدارة المتحف المصري، فإنه لم يتوقف عند النماذج الأثرية ذات القيمة التراثية التاريخية الكبيرة، بل أهتم بالاستعانة بنماذج تراثية أخرى، يثري بها العرض، سواء من الداخل أو الخارج، وصلت إلى حد، نماذج محاكاة لمدن تاريخية وأثرية عالمية، عبر التقنيات الحديثة، وتجسد ذلك في التعاون مع إيطاليا، بجهود خاصة من مؤمن عثمان، رئيس قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للأثار، ثم جرى التنسيق مع السفارة الإيطالية، لإقامة معرض بعنوان ” التراث الافتراضي.. جسر رقمي بين مصر وإيطاليا “، يضمن عددا من الأماكن السياحية للبلدين، حيث تم اختيار القاهرة من مصر، ومنها بعض المعالم: الأهرامات، القلعة، جامعة الأزهر، وبعض المزارات الأخرى ذات الطابع السياحي، بينما تم اختيار خمس مدن من إيطاليا هي: فينسيا، ذات الشهرة بالمراكب، وفلورنسا، وهي المدينة الأثرية، وروما، ومدينة بينفينتو، تلك المدينة التي لها إرتباط بمصر، من خلال وجود معبد الملكة إيزيس بها.
وأنه من خلال استخدام نظارات بتقنيات خاصة، بـ 360 درجة، تمكن المستخدم في يطوف خلال من خمسة إلى عشرة دقائق، حول المعالم التراثية والأثرية الافتراضية، والتجول حولها، وبداخلها، ومشاهدة كل جزء فيها، وهو يجلس على كرسي، يدور به، ثم العودة لمكانه من جديد.
وحول مسألة الترويج، والتسويق، والدعاية، المسبق لهذا المعرض التراثي الافتراضي.. قال الدكتور عبدالحليم، بأنه شخصيا تولى مهمة إدارة المتحف المصري، منذ أقل من شهر ونصف، وأنه بذل أقصى جهده ليخرج المعرض بالشكل المناسب، باعتباره مجرد تجربة أولى، وسوف يتم التوسع فيها مستقبلا، لافتا إلى أن الصدى كبيرا جدا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كل من شاهد العرض، بدأ يحكي تجربته الشخصية خلال المشاهدة، ويثير الفضول عند الآخرين، وأمنياتهم لو كانوا من المحظوظين بالحضور والمشاركة، وهذه الانطباعات تركت في نفوس الإيطاليين سعادة كبيرة بهذا التفاعل من جانب المشاهدين، موضحا أن نجاح هذه التجربة مع وزارة الثقافة الإيطالية، تشجعهم في المتحف، على تكرارها مع دول أخرى.
وحول ما يمكن أن تضيفه مثل هذه المعارض الافتراضية.. قال الدكتور عبدالحليم: إن الأثار بجانب أنها تراث، فهي ” قوة ناعمة”، بمعنى أنه يمكن استثمارها لرفع الوعي، وتعديل بعض السلوكيات عند الشباب والأطفال، بمعنى أن لجوء هذه الفئات لألعاب الواقع الافتراضي ذات الطابع العنيف، قد تقود بالشخص للنزعة الإرهابية، ولكن إذا نجحنا في توجيه هذا الفكر نحو المعلومة المفيدة، نفسيا، واجتماعيا، التي تغرس بداخله الانتماء لتراث الوطن، واعتزازه بحضارته القديمة، نكون قد أخذنا بيده للطريق الصحيح.
وردا على سؤال، بشأن مدى الاستفادة من هذه التجربة، لعمل معرض تراث افتراضي لكل آثارنا المصرية.. قال الدكتور عبدالحليم: إنه بالفعل توجد هناك جهود تقوم بها وزارة السياحة والآثار، لتنفيذ فكرة الواقع الافتراضي 360، عبر البرامج للتحويل الرقمي، بل تم الانتهاء من بعضها مثل معبد الكرنك وغيره، وإن كان ذلك في صورة نماذج صغيرة، عبارة عن جزء من الوقت يتم تحميله على جهاز الموبايل، ولكن الهدف الأكبر هو أن نصل للحظة التي تمكننا من استخدام النظارة الافتراضية الحديثة ، لما لها من أهمية في عملية الترويج السياحي، واستثمار تراثنا، لافتا إلى أنه شخصيا بدأ يسمح لطلابه في جامعة عين شمس، وفتح لهم الباب لدخول المتحف المصري، وتنفيذ مشاريع تخرجهم بالرقمنة والتكنولوجيا الحديثة.
وبشأن التكلفة لتقنيات الواقع الافتراضي.. قال الدكتور عبدالحليم.. إنه من الممكن يتم تمويلها إما عن طريق وزارة السياحة والآثار، أو بفتح الباب للقطاع الخاص، وتحصيل نسبة من قيمة تذكرة الزائرين.
وحول جنسية العنصر البشري المنفذ لهذا الواقع الافتراضي.. قال الدكتور عبدالحليم: هناك نماذج يتم تصميمها بعناصر مصرية خالصة، وأخرى تتم بالاستفادة من الخبرات الأجنبية، والتعاون مع السفارات، كما هو الحال في هذه التجربة التي تمت بالتنسيق مع السفارة الإيطالية، والمركز الثقافي الإيطالي، الذين تكفلوا بكافة التكاليف، بينما قدم لهم المتحف قاعة العرض.
وردا على سؤال، بشأن مدى إمكانية تكرار نفس التجربة مع دول أخرى.. قال الدكتور عبدالحليم: إنه في إطار النجاح الذي حققته هذه التجربة في التعاون مع إيطاليا، فإن ذلك سوف يشجعهم للتنسيق مع دول أخرى، خاصة التي بينها وبين مصر شراكة ثقافية، موضحا أنه من أبرز الدول المرشحة لذلك اليابان .