آراءأهم الأخبار

عادل عبدالصبور يكتب : منير أصل الدراما

 

 

منذ أن تفتح وعينا على دراما رمضان، ونعلم علم اليقين أن خريطة ماسبيرو قبل أن تنتشر الفضائيات تنتقي أفضل المسلسلات لتقدمها للصائمين، وجبة دسمة ، تظل عالقة في الأذهان حتى يعود الشهر الكريم في السنة التالية، ليعلن عن مولد أعمال عملاقة، و فن أصيل، و نجوم جدد بالإضافة إلى نجوم من الزمن الجميل.

كنا ننتظر بفارغ الصبر دراما رمضان، وكانت كل الأسر المصرية، بل والعربية، من المحيط إلى الخليج تشاهد هذا الإبداع على شاشتنا العملاقة، وتظل الأحداث الدرامية حديث الشارع المصري.

الأمثلة كثيرة ويصعب حصرها، لكن كلنا نتذكر أعمال ستظل خالدة، ومحفورة في وجدان المواطن المصري والعربي مثل مسلسلات عادات وتقاليد، و القط الأسود، وطالع النخل، والقاهرة والناس، ومارد الجبل، والجدار، والدوامه،و الأبطال، والأيام، والمشربية، ودموع في عيون وقحة، وأحلام الفتى الطائر، و أبنائي الأعزاء شكراً، و بابا عبده، وأبوالعلا البشري، وليالي الحلمية، والشهد والدموع، وعمر بن عبدالعزيز، وعلى هامش السيرة، ومحمد رسول الله،ورأفت الهجان، والطاحونه،والرحايا، وهو وهى، وفي حاجه غلط، والفجاله، وعلي عليوه، والفرسان، والمال والبنون،و يوميات ونيس،وأنا وانت وبابا في المشمش، والوسية، وذئاب الجبل، وبوابة الحلواني، والعائلة، والضوء الشارد،و أرابيسك، وزيزينيا، والراية البيضاء،والنوه، وخالتي صفيه والدير، ويتربى في عزو ،و ضمير أبلة حكمت، وإمرأة من زمن الحب، وعائلة شلش، والليل وآخره،ولن أعيش في جلباب أبي، وجمهورية زفتى، وهوانم جاردن سيتي… الخ

أعمال رائعة، تحترم عقل المشاهد، وتقدم قيم ومعاني أخلاقية، و إنسانية، و تاريخية، و دينية ، نبيلة لمخرجين ومؤلفين وكتاب سيناريو مبدعين، أمثال أسامه أنور عكاشة، ووحيد حامد، ومحد صفاء عامر، ومحمد جلال عبدالقوي، ومحفوظ عبدالرحمن،ومحمود ابوزيد، و ابوالسعود الإبياري، ومحمد فاضل، وانعام محمد علي، و اسماعيل عبدالحافظ، وجمال عبدالحميد، وأحمد صقر، ويحيى العلمي، واحمد بدرالدين، واحمد توفيق، وإبراهيم الشقنقيري، ومجدي ابوعميره، و القائمة طويلة.

أعمال لايختلف عليها إثنين، لكن مع مرور الزمن تراجعت المواهب، ومن ثم تراجعت الأعمال الدرامية، ولم يجتمع المشاهد المصري، أوالعربي على عمل درامي واحد، وهو ما لمسناه مؤخراً في دراما رمضان الأخير، الذي لم يقدم عملاً واحداً مكتملاً ، ولم يجتمع او يتفق النقاد والمحللين والمتخصصين، أو حتى الجمهور على مسلسل بعينه من بين ٣٢ مسلسل تم عرضهم، وهو ما يعني أن عجلة الإبداع ترجع إلى الخلف، رغم اجتهاد البعض مثل خالد يوسف من خلال مسلسل سره الباتع، الذي قدمه عن قصة الكاتب والأديب الكبير يوسف إدريس، إلا أنه لم يحظى بقبول ورضا الشارع المصري مثلما كان الحال مع مسلسلات ليالي الحلمية، والشهد والدموع، وأحلام الفتى الطائر مثلاً.

الأعمال الجيدة دائماً مكتملة الأركان، والإبداع في الدراما دائماً ينطلق من تتر البداية ويستمر حتى تتر النهاية، ويكون اختيار الصوت الذي يعبر بإحساس عن الحبكة المصنعة، ويخترق أعماق قلوب ومشاعر المشاهدين أحد أهم أسلحة صناع الدراما للوصول إلى أعلى درجات إعجاب الجماهير وقناعاتهم، بقدر وقيمة الأعمال الدرامية، ورصيد إضافي لعظمة تلك الأعمال.

من هنا عرفنا قيمة علي الحجار ومحمدالحلو ومحمد منير، ومن هذا المنطلق زادت نسبة مشاهدة سره الباتع، وعمله نادره، لأن الملك محمد منير هو من قدم تتر البداية والنهاية، وهو من شد الإنتباه إلى أحداث المسلسلين وبصفة خاصة مسلسل سره الباتع الذي انطلق صوته يحذر ، وينبه ، ويوحد الصفوف، بكلمات غاية في العمق والإتقان، للمؤلف مصطفى ابراهيم، والملحن وليد سعد، وهو من سكن قلوبنا ومشاعرنا بصوته العذب، المنقوع في بحر من الشجن، والحزن، و الأصالة، المتطلع لغد أفضل ، ومستقبل مشرق ، بثورة في الآداء ، وبتفاؤل وأمل، في تناقد غير عادي، لا يقدر على فعله بحرفية وموهبة، وإتقان، إلا نجم كبير متمكن.

تعددت الآراء واختلف النقاد، ولم يحسم الجدل هذه المره لكن الحقيقة التي باتت واضحة وضوح الشمس، والتي لا يختلف عليها اثنين، هي أن منير هو أصل دراما هذا العام، وأن بريقه، ونجوميته، لا تنتهي بتقدم العمر، أو بالأحرى بتغير الزمن و المفاهيم.

منير يثبت دائماً أنه صوت مصر الذي لايموت، صوت مصر المحفز على العمل والبناء والتقدم،
صوت الشارع والحاره والقرية والمدينة، صوت الفقراء والأغنياء والمثقفين والأميين، صوت العقل والحكمة والثورة، صوت كل الطوائف والفئات، صوت كل وقت وكل جيل، صوت مصر النابض.

نعم منير هو أصل الدراما في 2023 وفي كل عصر وأوان، وسيظل قادراً على العطاء والإبداع لأنه يعمل مايحب، ويحب مايعمل، يحب الغناء، ويغني مايحب، ويتقن عمله ويذهب إليه بمحض إرادته، وبرضا نفس، لذا يبقى، ويعيش، ويستمر، وينطفئ من حوله ومن هم جاءوا بعده، لأنه أبداً لن يكون ظاهره، ولن يكون صوت مرحلة، هو باختصار صوت الشعب، وصوت مصر في كل الأزمان،وأصل الدراما العربية مهما تغير الزمن والحال.


 

 

زر الذهاب إلى الأعلى