آراء

محمد الغريب يكتب.. عتاب من ضمير غاضب

قضيت ما مضى من عمري مؤمناً أن الحق والعدل سمتين لابد لهما أن ينتصرا على الباطل إن آنفاً أو عاجلاً، إلا أنه لتغير الزمان وتلاطم أمواج الضدين، أضحت الأمور في عقلي مشوشة وبات اليقين أن انتصار الخيرين لا يكفيه صدق النوايا، أو أن زوال الغشاوة صار قريبا.

فمنذ ما يقارب العامين ونصفهما عانيت من انحصار الدعم والمؤازرة في الإيمان بأن القضايا تُجلب دوافع الظفر بها بمنطلقات الإخلاص، التوكل، الصبر، وغيرها من الأمور التي رسمت أفلاطونيتي في هذه الحياة، لطالما بحثت عن دروب الخير بحثاً عن ضالتي في دعم قريب يعاني أو بعيد ينازع.

كان شعار العامين معاكساً ومغايراً لما درجت عليه أن السبيل إلى ضالتي هو السعي الدءوب واستئصال أواصِر اليأس، لكن الحياة لم تكن كما أوهمتني، ليست سقراطية، أرسطية أو هيومية. هي خليط من العفن، مزيج من الغدر، قليل من الرحمة. مستأسدة على الضعيف، متنعمة في محراب القوي.

لا تزل في قرارة نفسي مشاعر دعم لذلك القَسَّم من الوداعة والصبر، المؤمنة بأن لكل ظالم نهاية، أن هناك نقطة مضيئة في آخر النفقِ، وأن للعدالة مجراها، إلا أنه لهذا القسّم من القلب وجه آخر بات حديثه أوقع، تزداد أنفاسه بداخلي، تقوى براهين قوته وحججه في منتهى عقلي.

بدأ البلطجي حديثه مستنكراً: ماذا جنيت بصبرك؟! كم أضعت من وقتك؟! متى تتوقع جني ثمارك؟! ألا تزال تطمح في نيل حقك بالبلادة؟!. “لا تَلتَمِس غَلَباً لِلحَقِّ في أُمَمٍ الحَقُّ عِندَهُمُ مَعنىً مِنَ الغَلَبِ لا خَيرَ في مِنبَرٍ حَتّى يَكونَ لَهُ عودٌ مِنَ السُمرِ أَو عودٌ مِنَ القُضُبِ”.”وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا.. وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا”. “لا أحبّ الإنسان يرضخ للوهم.. ويرضى بتافهات الأماني”،” فما ينفعُ الأسدَ الحياءُ من الطّوى.. ولا تُتَّقى حتى تكون ضواريا”.

أشعل هذا الحوار المستعر والمطاردة الوطيسة بين شقي عقلي، نار الحيرة داخلي، وبت أكثر تحيراً من أمري، أأرقد على فراش المظلوم المكتسي بماء مقلتيه، أم أطيش على طريقة هذا الجزء المنفلت المتنعم بلذة النصر، إجابة لا زلت أبحث عن فك أغلالها الموصدة، لكن يظل السؤال: أي الجزئين خير وأبقى؟

معلوم أن الصبر له جزاء عظيم وأجر لا يحصى فضله، لكن الدنيا التي نعيشها تفرض علينا مسارات أخرى وإن كانت ترضي نفوسنا، لكن عواقبها تجعل من القسمين (الظالم والمظلوم) في منزلة واحدة لا خير في كلا طرفيها، فلا عذر يقبل لمن ارتكن إليها، سوى إخماد نار القهر وخيبة الأمل، لكن الناجي من الوقوع في شراك النفس هو الفائز لا محالة، لأن قوانين الله بين خلقه فرضت علينا اللجوء إليه بالصبر والاحتساب في كل نازلة فإياه سبحانه وتعالى نسأل أن ترسى مراكبنا التي لا دفة لها إلى شاطئ الاحتماء والالتجاء لعدله الذي لا راحة حقيقة لنفوسنا سوى ببلوغه.

زر الذهاب إلى الأعلى