أهم الأخباردين و دنيا

الضويني: الأزهر الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تعمل على حفظ التراث الإسلامي وتنقيحه ودراسته ونشره

كتبت: فوقيه ياسين

قال .د/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن الأزهر الشريف من أقدم المؤسسات التعليمية والدعوية، وهو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تعمل على حفظ التراث الإسلامي وتنقيحه ودراسته، ونشره، وبلاغ رسالة الإسلام إلى كل الشعوب، من خلال تراث يتمثل في علوم وفنون ومناهج وأدوات نظر وفكر تحفظ التراث، وتضمن نقل مقاصده ونتاج عقول أهله، وإن الأزهر بهذه الأمانة ليهدف إلى بعث الحضارة العربية والإسلامية وإحياء التراث الإسلامي؛ ليكون أساسا لرقي الأمة في العلوم والفنون والآداب.

وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته في تكريم الفائزين في مسابقتي”فارس المتون والمترجم الناشىء”، أن الأزهر لا يزال حارسا أمينا على تراث الأمة، آخذا بالمنهجية الصحيحة في دراسته، تلك المنهجية التي تنشد الرقي بالفرد والمجتمع، وتعنى بالإعداد المثمر، والتوجيه المبدع، في إطار تربوي فريد.

وبيّن الدكتور الضويني أنه تأكيدا لريادة الأزهر الشريف التاريخية، وتعميقا لمسئوليته الحضارية، وإعمالا لدوره في أداء رسالته العالمية في نشر العلم والدعوة الإسلامية، والمحافظة على التراث الإسلامي، واستمرارا لجهود قطاع المعاهد الأزهرية، ومسئوليته في النهوض بالعملية التعليمية أقيمت مسابقة «فارس المتون» لحفظ وتأليف المتون العلمية، تلكم المتون التي كان لها الفضل في حفظ التراث الإسلامي، بهدف إبقائها حية، والتشجيع على التأليف فيها، وإبراز المواهب الأزهرية من حفظة ومؤلفي المتون من الأعمار كافة، ونشر ثقافة حفظ المتون بين العاملين بالعملية التعليمية.

وأوضح وكيل الأزهر أن مسابقة «المترجم الناشئ»، عملت على إبراز دور الترجمة في الإسهام في نشر الدعوة الإسلامية باللغات المختلفة، واكتشاف المواهب الأزهرية في الترجمة، ونشر ثقافة الاطلاع على المؤلفات العلمية باللغات الأخرى، وتعزيز ملكة الترجمة في نفوس الطلاب والطالبات، وتشجيعهم على إتقانها نطقا وكتابة، ولقد أولى الأزهر الشريف العلوم الإسلامية كلها عناية فائقة، تلكم العلوم التي تصنع وعيا عميقا، وفهما سليما، وحضارة حقيقية من خلال الاهتمام بعدة جوانب أساسية أبرزها الاعتناء الكبير بدراسة العلوم الشرعية والعربية.

وتابع فضيلته أن دور الأزهر لم يقتصر على دراسة العلوم من كتب السابقين فقط للحفاظ على الهوية، بل عمل الأزهر على تقريبها، ومن أدوات ذلك حفظ ودراسة المتون العلمية، وهي من الطرق التي يفخر المسلمون بكونهم أسبق الأمم إليها، مما أسهم بشكل كبير في انتشار العلم الصحيح، ليكون ذلك عاملا قويا في الحفاظ على الهوية بطريقة علمية وعملية.

وأردف وكيل الأزهر أن المتون العلمية تعد خلاصة معتصرة من أعمال علمية كبيرة وجهود متواصلة في البناء العلمي، ومن ميزاتها أنها تتضمن الشمول والدقة والإيجاز والفصاحة وسلاسة العبارة ما يجعل طالب العلم يرغب في حفظها لما وجد فيها من السهولة والمرونة والعذوبة، ولمساعدتها له في جمع شتات المادة العلمية بصورة تجعله على استعداد تام للخوض في عمق العلوم وسبر أغوارها، والبحث في دقيق جزئياتها؛ فمن يحفظ متنا في فن من الفنون ويفهم ما فيه من معان يكون حافظا لذلك الفن ممسكا بزمامه، مستحضرا لجميع مسائله، كل ذلك فضلا عن ترسيخ المفاهيم الصحيحة في نفسه وعقله، ومعاونتها له على ضبط العلوم وإتقانها؛ لذا كان علماؤنا الأكابر يحرصون أشد الحرص على حفظ المتون العلمية واستظهارها.

وأكد الدكتور الضويني أن حفظ المتون أو المختصرات كما هو المشهور عند القدماء ينمي الملكة العلمية في العلوم الشرعية والعربية، ويقوي العقل ويغذي المادة العلمية، ويعد البوابة الحقيقية للمطولات التي تليه؛ إذ الأساس فيها حفظ المتون، زد على ذلك أنها المعول عليها في التدريس لقدرة صاحبها على سرعة استحضار مسائل العلم، هذا، وأريد أن أنوه إلى خطأ من يظن أنه بحفظ متن في فن ما يكون قد حصل نهاية الفن؛ فالاقتصار على حفظ المتن والركون إليه دون التعمق في مسائله واستخراج فوائده عمل قاصر؛ إذ المتن أول الطريق وبدايته، وهو إنما يضبط لطالب العلم أصول الفن بحيث يستحضرها فلا تغيب عنه.

وشدد فضيلته أن لا بد بعد إحكام حفظ المتون من الإقدام بعزم على شرح المسائل واستنباط الفوائد، وستجد أن كل جملة من المتن تحوي فوائد جمة، وكل عبارة أو لفظة منه إنما هي مسألة من مسائل الفن الكبار التي تجري مجرى الأمهات والأصول، وسيوقن طالب العلم أن حفظ المتن قد سهل عليه استحضار مطولاته وشروحه الحاوية لفوائده المنثورة المطوية في ثنايا ألفاظه، بحيث ترتبط عنده كل لفظة منه أو عبارة بشرحها، وذلك لأجل الارتباط وعدم الانفكاك بين المتن وشرحه.

واستنكر وكيل الأزهر ضياع وإغفال وإهمال المتون، موكدا أن الاهتمام بها والاعتناء بحفظها في وقتنا هذا أكثر أهمية من ذي قبل، خاصة في هذا العصر الذي انتشرت فيه الفوضوية في العلم وادعاؤه ممن لا حظ له فيه ولا نصيب، وقد کان طلاب العلم في سابق الأزمان وسوالف العصور لا يقرؤون فنا إلا بعد حفظ متن فيه، فبلغوا من العلم ما بلغوا، وبرعوا في الفنون والمهارات ما برعوا، حتى صرنا لا نحلم أن نبلغ مبلغ علمهم وغزارة مادتهم وعلو کعبهم وتضلعهم في أنواع العلوم والفنون، مبينا أنه إذا كان الاحتفال اليوم خاصا بالفائزين إلا أنه في حقيقته احتفال بإحياء حفظ المتون العلمية، وفي الوقت ذاته تنبيه للمسارعة في الفوز بقصب السبق في حفظها.

واختتم وكيل الأزهر كلمته بتوجيه الشكر إلى القائمين على هذه المسابقة التي جاءت لتحيي تلك السنة الأزهرية في حفظ المتون وشرحها وتأليفها، وتنمية ملكة الترجمة في المحيط العلمي، داعيا إلى إبراز اهتمام الأزهر الشريف بالمتون العلمية، من خلال إعداد استراتيجية لجعل حفظ المتون العلمية مهارة أساسية تتبناها المعاهد العلمية وأن تحظى بمكانتها اللائقة في السلم التعليمي، وأن تخصص جوائز نفيسة للحفظة، وأن تعقد مسابقات تفتح باب الدخول في سباق الحضارة، وامتطاء ركاب الصدارة، وبلوغ مقام الريادة؛ لشحذ الهمم وتحريض الجيل الناشئ على حفظ المتون واستظهارها حتى نحيي أجيال المتون والحواشي، تلكم الأجيال التي كانت ولا تزال مفخرة من مفاخر المسلمين لم تعرف لها الأمم مثيلا.

زر الذهاب إلى الأعلى