د. منال صالح تكتب : الهجرة غير الشرعية والمشروعات الصغيرة
يطل علينا من آن لآخر خبر غرق مركب في طريقة للهجرة غير الشرعية، ولم تتوقف تلك الظاهرة المريعة ، فقد استيقظنا صباح الأربعاء الماضي على خبر غرق مركب قادم من السواحل الليبية، متجه إلى أوروبا يحمل على متنه مجموعة من الشباب المصريين ضمن ركابها، وعلى الرغم من قيام الدولة المصرية بتعديل القانون وتغليظ عقوبة من يرتكب هذه الأفعال غير المسئولة، بهدف الحد من هذه الظاهرة السلبية والقضاء عليها، حيث تصل العقوبة الى السجن المشدد وغرامة مالية تصل الى خمسمائة ألف جنيها أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر، إلا أن هذا لم يمنع الشباب من الهجرة غير الشرعية حتى لو من حدود سواحل دولة أخرى، الأمر الذي يدعوني للتساؤل، لماذا يفر الشباب من وطنهم لمصير غير معلوم؟.. مصير محكوم عليه في أغلب الأحيان بالموت والهلاك.
لماذا يدفع هؤلاء الشباب في سبيل الهجرة غير الشرعية ما قيمته 4500 دولار عن الفرد الواحد؟ بحسب كلام الناجين من المركب، ما يعني أن كل فرد من هؤلاء الشباب يدفع حوالي 140000 جنيه مصري بسعر صرف الدولار المعلن من البنك المركزي وليس سعر السوق الموازي، فمثلاً إذا افترضنا أن عدد المصريين المهاجرين على المركب 50 شخص في المتوسط، فيكون أجمالي المبالغ المدفوعة في هجرة الموت حوالي 7 مليون جنية، ما يعني ان مشكلة المشروعات الصغيرة في مصر ليست مشكلة تمويلية كما يتم التعامل معها من قبل الجهات المعنية في الدولة ، الأمر الذي يحتم علينا إعادة النظر في منظومة المشروعات الصغيرة ككل، من حيث الرؤيه والتخطيط والهدف، فلابد من مساندة ودعم الدولة لها بشكل أكبر، فالمشكلة لها ابعاد كثيرة كالتدريب ودراسة الأسواق المحلية والعالمية، لتحديد احتياجات السوق، ولضمان تسويق المنتجات فنحن لا نعيد اختراع العجلة من جديد، بل فقط نستفيد من خبرات ورؤية وتجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال وحققت تنمية اقتصادية مرتفعة .
يبدو أن تغليظ العقوبات على من يرتكب جريمة الهجرة غير الشرعية تحتاج الى حلول اخرى إلى جانب هذه العقوبات الرادعة ، فمن الملاحظ أن الظاهرة لم تنتهي رغم تغليظ العقوبة، فبالرغم من تكرار غرق مراكب الهجرة غير الشرعية على مرأى ومسمع الشباب إلا أنهم يفضلون الهروب للمجهول عن الاستمرار في أوطانهم بدون عمل في حالة من فقدان الأمل.
أعتقد من وجهة نظري ان حل المشكلة يكمن في دعم ومساندة هؤلاء الشباب بتدريبهم وتأهيلهم لرفع قدراتهم وتنمية مهاراتهم على كيفية القيام بالمشروعات الصغيرة، والمتوسطة ، لتوفير فرص عمل جاده للشباب مع توفير بيئة ملائمة وتسهيل إجراءات إقامة هذه المشروعات في صورة ورش أو مشاريع أو مصانع صغيرة بنفس المبالغ التي يدفعونها في الهجرة غير الشرعية وبالتالي يعود عليهم بالإستقرار والشعور بالأمان، ويعود على أوطانهم بالإستقرار وتعزيز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الصادرات وسد احتياجات الأسواق المحلية و تقليل فاتورة الاستيراد، وتحسين القوة التنافسية وزيادة النشاط الإقتصادي ، و تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية . بالإضافة الى الحد من نسبة البطالة التي ضربت بجذورها كل دول العالم في الفترة الأخيرة سواء بسبب انتشار فيرس كورونا أو بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي أنهكت اقتصاديات العالم وأثرت على الدخول وأدت الى إرتفاع نسبة البطالة ، فالبطالة والهجرة غير الشرعية وجهان لعملة واحده.
تلك هى رؤيتي، ووجهة نظري في كيفية التعامل مع هذه الأزمة، ولتكن دعوة لإعادة النظر في أساليب التعامل مع هذه الظاهره المنتشرة في دول العالم الثالث.