71 عاماً مرت على ثورة 23 يوليو 1952 التي هزت أرجاء الدنيا، وغيرت وجه التاريخ وقلبت موازين القوى في العالم.
لم تكن ثورة 23 يوليو مجرد حركة قام بها مجموعة من الضباط الأحرار الشبان للتخلص من النظام الملكي الفاسد، وإقامه نظام جمهوري وتنازل الملك فاروق عن العرش لولي عهده الأمير احمد فؤاد القاصر ومغادرته البلاد إلى إيطاليا على متن سفينته (المحروسه)، ليتولى مجلس قيادة الثورة إدارة شؤون الحكم في البلاد فحسب، لكنها كانت ثورة على الإستعمار و الإحتلال والأحلاف وهيمنة القوى العظمى على سيادة ومقدرات وثروات شعوب دول العالم الثالث.
ثورة على الإقطاع والرجعية والإحتكار والطبقية والعنصرية والمحسوبية .
لذا اتخذ قائد الثورة ومفجرها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر طريقاً مختلفاً يحمل رؤى وأفكار وقناعات وقيم ومبادئ جديدة، لم تكن موجودة في عالمه المبني على الإنتهازية والقوة والهيمنة وقانون الغاب.
اتخذ الزعيم طريق الحق والعدل والحياد الإيجابي، فساند كل حركات التحرر لدول العالم الثالث الباحثة عن الحرية والإستقلال، وكانت البداية مساندته لشعب السودان الشقيق حتى استقل في يناير 1956 بعد جلاء قوات الإحتلال البريطاني عن أراضيه، ثم ساند ثورة العراق عام 1958، وثورة غينيا التي استقلت في 12 اكتوبر عام 1958، وثورة ” الماو ماو” في كينيا بزعامة “جوموكينياتا” ، كما ساند ثورات كل من الصومال والكونغو ومالي ومدغشقر والكاميرون وداهوي والنيجر وفولتا العليا وساحل العاج التي استقلت جميعها عام 1960، ثم ثورة اليمن التي استقلت عام 1962 ثم ثورة الجزائر التي استمرت من عام 1954 وحتى استقلت عام 1962، ثم روديسيا الجنوبية (زيمبابوي) بقيادة زعيمها جوشوا لكومو والثورة الليبية حتى استقلت ليبيا عام 1969.
كما ساند حركات التحرر في كل من موزمبيق وغينيا بيساو وانجولا واوغندا وجنوب افريقيا وجنوب غرب افريقيا وجزر القمر وكومورو.
لم تقتصر مساندة مصر لهذه الدول سياسياً فقط، بل كان دعماً لوچيستياً وعسكرياً حيث فتح عبد الناصر 19 مكتباً في القاهرة لتكون مقرات سياسية وإعلامية لهذه الدول، وتولى تدريب حركات التحرر عسكرياً وفتح أبواب الكلية الحربية لتعليم الطلبة الأفارقة وتخريج دفعات على قدر عالي من التدريب العسكري لدعم بلادهم.
نجحت الثورة في تحقيق أهدافها ومبادئها السته التي قامت من أجلها بنسبه كبيره.
كان ملف العدالة الإجتماعية واحد من أهم الملفات التي اهتمت بها الثوره للقضاء على الفقر وتذويب الفوارق الطبقية بين المجتمع.
تحضرني مقولة الأديب الكبير نجيب محفوظ عن «عبد الناصر» في ملف العدالة الإجتماعية، «إن عبد الناصر أكثر من أنصف الفقراء.. وما لم يستطع تحقيقه أعطاه لهم أملاً، لذلك فالناس لا تنساه أبداً ، لأن الأمل لا يموت وربما كان هذا هو السبب الذي يجعل اسم عبد الناصر وصوره ترتفع في كل مظاهرة شعبية».
عبرت كلمات الأديب الكبير القصيرة عن حال الشعب المصري قبل الثورة وبعدها.
حيث كانت 30% من الثروة تذهب إلى نصف في المئه من السكان، في حين تذهب 70% من الثروة إلى 9 و 99 % من أبناءالشعب المصري في العهد الملكي البائد قبل اندلاع الثورة.
لذا عملت الثورة منذ اليوم الأول على إعادة توزيع الثروة لرفع مستوى معيشة الفقراء، وتذويب الفوارق بين الطبقات فأصدرت قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 الذي صدر في 9 سبتمبر عام 1952، وبمقتضاه تم تحديد الملكية ب 200 فدان تم توزيعها على صغار الفلاحين والمعدمين، و أصدرت قوانين أخرى تباعاً انتهت بتحديد الملكية ب 50 فدان، ووافقت الثورة على تقسيط ديون الفلاحين وإصلاح الأراضي الزراعية المتدهورة.
كانت مجانية التعليم من أهم قرارات الزعيم حتى يستطيع النهوض بالمجتمع، والوطن، لذا قرر أن تمتد مجانية التعليم إلى التعليم الجامعي وكان ذلك في يوليو 1961، بالإضافة إلى التأمين الصحي الشامل لكل شعب مصر دون تمييز (كشف مجاني، وعلاج مجاني، وعمليات جراحية متنوعةبالمجان).
أما على المستوى الصناعي فقد أحدثت يوليو ثورة صناعية كبرى لم تحدث من قبل، حيث اهتمت بالصناعات الإستراتيچية الثقيلة التي تحتاجها الدولة لبناء جمهوريتها، فتم إنشاء 1400 مصنع واستصلاح 2مليون فدان.
من أهم المشروعات والصناعات التي اهتمت بها الثورة، مصانع الغزل والنسيج ومصانع الأسمنت ومصانع السيارات(النصر للسيارات) ومصانع الكاوتش، ومصانع الكابلات ومجمع مصانع الحديد والصلب بحلوان ، ومصانع الكيماويات (كيما أسوان) ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي ومصانع الكتان (طنطا للكتان) ومصانع المواسير ومصانع البلاستيك … الخ، بالإضافة إلى بعض الصناعات الأخرى المهمة، كمصانع السكر ومصانع الزيوت والصابون ومصانع الورق .. الخ.
انشاء 1000مشروع صناعي زراعي، في الخطة الخماسية الأولى ساهم بقدر كبير في تقليل نسبة البطالة وزيادة دخول الأفراد وتوفير حياة كريمة، خاصة بعد أن أصدرت الثورة قرارات وقوانين تصب في مصلحة العمال والمواطنين والفقراء، أهمها القانون رقم 133 لسنة 1961 والمعدل بالقانون رقم 175 لسنه1961 الخاص بتحديد ساعات العمل إسبوعياً بحد أقصى 42 ساعه، بواقع 7 ساعات في اليوم مما أتاح الفرصة لاستيعاب عدد كبير من العمالة ساهمت في انخفاض نسبة البطالة.
يجدر بي الإشارة هنا إلى أن القطاع العام استوعب خلال هذه السنة 280 ألف عامل تم تشغيلهم في كافة المجالات، وبلغت أجورهم 1229 مليون جنيه، كما أصدرت الثورة قوانين تمنع الفصل التعسفي وتمنح العاملين زيادة في عدد أيام الإجازات السنوية، والإجازات المرضية مدفوعة الأجر، بالإضافة إلى تعميم الحد الأدنى للأجور وتوفير إجراءات الأمن الصناعي وتطوير أجهزته.
أصدرت الثورة قوانين التأمينات الإجتماعية والمعاشات، وأشركت العمال في مجالس إدارات الشركات وخصصت لهم نسبة من الأرباح، فأصدرت في 19 يوليو 1961 القانون رقم 114 الذي ينص على ألا يزيد عدد أعضاء مجالس إدارات الشركات عن سبعة أعضاء من بينهم عضوان ينتخبان عن العمال والموظفين، ثم أصدرت القانون رقم 141 لسنه 1963 الذي يقضي بزيادة عدد أعضاء مجالس إدارات الشركات إلى تسعة أعضاء يكون من بينهم اربعة أعضاء ممن يعملون بها، هذا بالإضافة إلى تخصيص نصف مقاعد المجالس الشعبية والنيابية على جميع مستوياتها للعمال و الفلاحين.
لم تغفل الثورة وقائدها حقوق المرأة المصرية، بل تحققت مكاسب عديدة للمرأة في عهد الثورة كان أهمها نزولها إلى سوق العمل جنباً إلى جنب مع الرجل، بعد تدريبها وتأهيلها في مراكز التدريب التي أنشأتها الثورة لرفع كفاءاتها المهنية، وتولت الدولة تشغيلها وكانت البداية بتعيين أعداد كبيرة منها بمصانع الهيئة العربية للتصنيع وبعض المنشآت الصناعية الأخرى، ومنحت الثوره المرأة المصرية الحق في الترشح لمجلس الأمه عام 1956.
ماحققته ثورة يوليو المجيدة وقائدها من إنجازات يصعب تكرارها،فيكفي عبدالناصر أنه من حقق حلم المصريين الذي طال انتظاره وفشل كل من سبقوه في تحقيقه وهو الإستقلال وإنهاء الإحتلال، فليس هناك أعظم من عودة الوطن لحضن أبناءه لأول مرة بعد إحتلال دام أكثر من 2776 سنة من كل الجنسيات، فلسطينيين، و سوريين ولبنانيين (الهكسوس)، وعراقيين ( آشوريين)، وإيرانيين (الفرس)، وليبيين، ويونانيين، ورومان، وعرب، وأتراك، وأثيوبيين، وفرنساويين، وإنجليز.
ويكفيه أيضاً أنه نجح في تأمين مصر وشعبها من أخطار الجفاف و الفيضانات والمجاعات ،التي كانت تقضي على الأخضر واليابس بإنشاءه أعظم مشروع هندسي شهده القرن العشرين ، هو مشروع السد العالي.
ستظل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وقائدها محل جدل، وسيظل أعداء الثورة وأعداء عبدالناصر من الإقطاعيين الجدد، والجهلاء والمنتمين للجماعات الإرهابية وتنظيماتهم الدولية، وخفافيش الظلام وأعوان الإستعمار، يوزعون الإتهامات ويطلقون حملات التشكيك والإدعاءات الكاذبة للنيل من القائد والزعيم، معتمدين على عدم وعي الأجيال الجديدة، وتراجع مستوى الثقافة لدي الآخرين.
رغم كل حملات التشكيك والشائعات والأكاذيب الممنهجة، سيبقى عبدالناصر في قلب ووجدان شعب مصر وكل شعوبنا العربية والإفريقية ، وستظل كل الأجيال تقدر مكانة الزعيم، وترفع صوره في كل ميادين الحرية في كل دول العالم، وستبقى ثورته بيضاء يعتز بها شعبنا العظيم.
كل سنة وشعب مصر وقواتنا المسلحة ورئيس مصر الرئيس عبدالفتاح السيسي بخير وسعادة
، بمناسبة مرور 71 عاماً على ثورة يوليو المجيدة، ومليون تحية وتقدير للضباط الأحرار والرحمة والمغفرة لقائد ومفجر الثورة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر.