آراءأهم الأخبار

عادل عبدالصبور يكتب : قرار تأميم القناة قضى على الأمبراطورية البريطانية

تحتفل مصر وأحرار العالم بمرور 67 عاماً على القرار التاريخي الذي هز عرش الدول العظمى في القرن العشرين، وغير توازن القوى في العالم، ألا وهو قرار تأميم قناة السويس.

القرار الشجاع الذي أطلقه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لإستعادة الكرامة والحقوق ورد اعتبار المصريين الذين دفعوا حياتهم ثمناً لشق هذه القناة عام 1856، حيث دفع أكثر من 120 ألف مصري حياتهم لإنجاز هذه المهمة،.. ماتوا واستشهدوا من آجل أن تبقى مصر،.. ومن أجل أن يبقى شعب مصر رغم كل ما تعرضوا له من سخرة ومهانة.

كانت القناة شبه مملوكة للمساهمين البريطانيين والفرنسيين منذ الإحتلال عام 1882 ومن الناحية الجيو سياسية والإقتصادية، تعد القناة ذات أهمية استراتيجيه لهما باعتبارها الطريق الوحيد الذي يربط مياه أوروبا ببحر العرب، ومن ثم تربط مستعمرات بريطانيا التي تحتلها ببعض، بالإضافة إلى أن القناة تمثل 12% من التجارة العالمية و 10% من تجارة النفط المنقولة بحراً في العالم ويمر بها أكثر من 20 ألف سفينة سنوياً، وتربط أسواق السلع الإفريقية والأسيوية والأوروبية، لذا وقعت المملكة المتحدة وألمانيا والنمسا والمجر وروسيا والدول العثمانية واسبانيا وفرنسا وإيطاليا وسعيد باشا والي مصر إتفاقية القسطنطينية، في 29 أكتوبر عام 1988 التي اعتبرت قناة السويس ممر ملاحي عالمي حر في السلم والحرب، ولا يمكن غلقها أمام السفن ودول العالم كما أكدت على نقل السياده على الممر الملاحي الى مصر في نوفمبر 1968.

أعلنت بريطانيا تحفظها على إمكانية تطبيق مواد المعاهده في حال تقيدها لحرية عمل الحكومة أثناء الإحتلال البريطاني لمصر وقبلت فرنسا التحفظ الذي جعل المعاهده غير قابلة عملياً للتنفيذ ولم تدخل حيز التنفيذ الا عام 1904.

ظلت القناة تحت السيطرة الأجنبية والمملكة المتحدة بإدارة فرنسية.

استحوذت بريطانيا وفرنسا على أموال القناة دون وجه حق حيث كان عائد القناه 100 مليون دولار سنوياً ( 35 مليون جنيه مصري)، وكان نصيب مصر منها 3% في حين تذهب ال 97% من عائدها إلى بريطانيا وفرنسا وحلفائهما.

كانت كل الوثائق تؤكد بقاء الإنجليز في القناة وعدم تسليمها قبل تدميرها وأن ذلك لن يحدث قبل 10 عقود أخرى .

أكد هذه الرؤية سحب أمريكا تمويل السد رغم موافقتها المبدئية ومن بعدها بريطانيا والبنك الدولي، ويرجع هذا التحول والتغير المفاجئ في موقف أمريكا ورفض البنك الدولي وبريطانيا، لدعم عبدالناصر للقضية الفلسطينية ورفضه الإعتراف بإسرائيل، وتسليح الجيش المصري بأسلحة سوفيتية، ورفضه الإنضمام لحلف بغداد، وتأسيسه لحركة عدم الإنحياز، ودعمه لثورة الجزائر ضد الإستعمار الفرنسي، الأمر الذي دفع عبدالناصر للتفكير جدياً في استعادة القناة وإنهاء سيطرة قوى الإستعمار عليها ونهب عوائدها وثرواتها.

لم يستغرق تفكير الزعيم وقت طويل، بل أنه أعد العده وتحمل مسؤولية القرار وحده، وانطلق صوته من ميدان المنشيه بالاسكندرية في 26 يوليو عام 1956 مدوياً، يعلن تأميم شركه قناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية ليستعيد حقوق المصريين التي اغتصبتها بريطانيا وفرنسا وحلفائهما، وتعود القناة لحضن وطنها وللسيادة المصرية، وتستطيع مصر أن تبني نفسها بنفسها، وبأموالها وبمواردها وبأيدي أبنائها، وتستطيع أن تحقق حلمها ببناء السد العالي، سد العزة والكرامة، الذي ينقل مصر نقلة صناعية وزراعية هائلة،والذي وصفه الخبراء المتخصصين بأنه أعظم مشروع في القرن العشرين.

العائد السنوي من القناة، كان كفيلاً ببناء السد ودعم الصناعات والزراعات المختلفه، لذا جاء قرار التأميم كالصاعقه على بريطانيا وفرنسا وبصفه خاصة إسرائيل، التي اعتبرت عبد الناصر هو العدو الأول لها فقررت بريطانيا وفرنسا والعدو الصهيوني الرد على عبد الناصر وبدأت المؤامرة الكبرى.

في 29 أكتوبر عام 1956 دخلت القوات الإسرائيلية إلى عمق سيناء وشمال القناة وفقاً لبروتوكول سيفرز ودارت المعارك الضارية هناك وفي اليوم التالي ، أصدرت بريطانيا وفرنسا إنذاراً إلى مصر وإسرائيل بوقف القتال وانسحاب كل منهما 10 كيلومترات عن القناة وقبول مصر إحتلال مدنها بواسطة قوات بريطانية فرنسية بغرض حماية الملاحة في القناة، وإلا تدخلت قواتهما لتنفيذ ذلك بالقوة.

رفض عبدالناصر إحتلال إقليم القناة ورفض الإنذار، وفي اليوم التالي (31 أكتوبر) هاجمت الدولتان مصر ،وبدأت غاراتهما الجوية على القاهرة ومنطقة القناة والإسكندرية،ونظراً لتشتت القوات المصرية بين جبهتي سيناء و القناة ،وحتى لاتقوم القوات المعتدية بحصارها وإبادتها، أصدر عبد الناصر أوامره بسحب القوات المصرية من سيناء إلى غرب القناة.

بدأ الغزو الأنجلو-فرنسي على مصر من بورسعيد التي أغارتا عليها بالطائرات والقوات البحرية تمهيداً لعمليات الإنزال الجوي بالمظلات.

تصدت المقاومة الشعبية ببورسعيد لقوات العدوان بقوة وعزيمة الرجال، وكبدتهم خسائر فادحة، الأمر الذي أدى لتعاطف وتضامن العالم مع مصر ضد القوات المعتدية.

أعلنت الدول العربية تضامنها الكامل مع مصر وقامت بنسف أنابيب النفط في سوريا.

في 2 نوفمبر إتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بوقف القتال، وفي 3 نوفمبر وجه الإتحاد السوفيتي إنذاراً شديد اللهجة إلى بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، بضرورة وقف القتال والإنسحاب الفوري من الأراضي المصرية وقال الزعيم نيكيتا خروتشوف جملته الشهيرة “إذا لم ينسحب العدوان من مدن القناة فسوف يقوم الإتحاد السوفيتي بالهجوم على بريطانيا وفرنسا بالصواريخ وتحويلها لقطعة من الجحيم” ، وإرسال قوات عسكرية سوفيتية للدفاع عن مصر، وأعلن عن تصميمه على محو آثار العدوان، كما أعلنت الولايات المتحدة رفضها للعدوان على مصر، فأدى هذا الضغط الدولي إلى وقف العدوان الإنجليزي الفرنسي، وقبول الدولتين قرار الأمم المتحدة رقم 1001 في 7 نوفمبر بوقف إطلاق النار و دخول قوات طوارئ دولية تابعة لها، وفي 19 ديسمبر أُنزل العلم البريطاني من فوق مبنى هيئة قناة السويس بورسعيد.

أعقب ذلك انسحاب القوات الفرنسية والإنجليزية من بورسعيد في 22 ديسمبر، وفي 23 ديسمبر تسلمت السلطات المصرية مدينة بورسعيد واستردت قناة السويس، وهو اليوم الذي اتخذته محافظة بورسعيد عيداً قومياً لها، و أطلق عليه «عيد النصر».

في 16 مارس 1957 أتمت القوات الإسرائيلية انسحابها من سيناء.

أنتصر عبدالناصر على العدوان الثلاثي الذي خرج يجر أزيال الخيبة، دون أن يحقق أي مكاسب تذكر، بل على العكس، فقدت بريطانيا عشرات الملايين من الإحتياطي النقدي، واضطرت لخفض قيمة عملتها، وكانت خسائرها السياسية فادحة حيث كانت حرب السويس أحد أسباب إنهيار الإمبراطورية البريطانية التي لاتغرب عنها الشمس وسبب صعود وظهور قوى عالمية جديدة، كما كانت سبباً مباشراً في خروج أنتوني إيدن رئيس وزراء بريطانيا من الحياة السياسية بلا رجعة رغم أنه لم يمر على توليه منصب رئاسة الوزراء سوى عامين فقط.
وكذلك الحال بالنسبة إلى دي مولييه رئيس وزراء فرنسا الذي غادر الحياة السياسية بعد هزيمته، وتجرعه من نفس كأس إيدن.

سيبقى قرار تأميم قناة السويس قراراً تاريخياً شجاعاً ، أعاد لمصر وشعبها حقوقهم، و كرامتهم، وأعاد صياغة المفاهيم ووضع مصر في مكانتها التي تستحقها بين الدول الكبرى،

لكن كالعادة سيظل أعداء النجاح والمأجورين، والحاقدين على عبدالناصر، يشككون ويقللون من حجم الحدث الضخم، و يقلبون الحقائق للنيل من شعبيته إلا أنهم كالعاده سيفشلون، وستفشل مخططاتهم ومؤامراتهم وستظل مصر تنجب أجيالاً تؤمن بأفكاره،ومبادئه، وترفع صوره في كل وقت وفي كل مكان.

كل سنة وأحنا طيبين وأهالينا في مدن القناة بخير

وكل سنةو قواتنا المسلحة وقائد مصر الرئيس عبدالفتاح السيسي بخير، وعاشت مصر، حرة، آمنة، مستقرة

وتحيا مصر

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى