أهم الأخبارفنون

رؤية نقدية في رواية “سوسنة المستنقع” للكاتب مختار عيسي

 

بقلم/ إنجي البسيوني

الرواية تجسد بانوراما نفسيه، مترعة بالعقد، والصراعات الداخلية، والنزاعات النفسية، وتفتح أمامنا ملفات ملغمة لقضايا سياسية شائكة وخطيرة فى مجتمعاتنا الشرقية والعربية.
نبدأ بعتبة النص (العنوان) وما ينوء به من دلالات كاشفة لمضمون الرواية،  “سوسنة المستنقع”، فالعنوان يشير إلى (ندى)، تلك المرأة الفاتنة باهرة الحسن، والتى دفعتها بيئتها المنحرفة الفاسدة، وظروف الفقر الضاغطة والتدنى الاجتماعى ، والتشوه الجسدى الذى أصاب ساقها فى الصغر، نتيجة حرق من لهيب موقد الكيروسن، بسبب إهمال أمها التى انشغلت عنها  بانغماسها فى ملذاتها وعلاقاتها الخاصة، كل ذلك دفعها دفعا إلى أن تصبح عاهرة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ آسنة، وتتحول إلى  امراة ماجنة سادية، لا تملك ذرة من أخلاق أو ضمير أو إنسانية أو دين، استسلمت لأوامر الشيطان المدمرة، وانصاعت لوساوسه، واستغلت جبروت أنوثتها، وبراعتها فى فنون الإغراء المختلفة، لتنتقم من كل الرجال بإخضاعهم لها، على مختلف مستوياتهم الاجتماعية والفكرية والمادية، ولم تستثن منهم  عابرا ولا مقيما، فهى التى لم تلق منهم فى ماضيها الأليم إلا الانتهاك الجسدى أو الإهانة النفسية؛  لذلك فقد اتخذت من السيطرة الجنسية و اللذة الجسدية معهم منفذًا للانتقام منهم جميعا، فيما عدا حبيبها وطبيها النفسي، الذى حاول علاجها بكل ما يملك من علم و جهد حثيث،  لانتشالها  من ذاتها المضطربة، ومن حالة الانفصام النفسي والهلاوس السمعية  التى عانت منها طوال سنوات عمرها ، والتى كانت نتاجاً لمواقف محبطة عديدة، ادخرها لها عقلها الباطن منذ الصغر؛ ليضخها باستمرار فى أروقة الذاكرة من آن لآخر، ومع ذلك فشلت كل جلسات علاجه النفسي  معها .
ارتقت ندى بسرعة سلم الطبقات الاجتماعية ، واحدة تلو الأخرى  بإمكاناتها الخاصة، حتى ترأست حزبا سياسيا له سطوة وتأثير فى الدولة، وبالتالى أصبحت تمثل خطرا على الأجهزة الأمنية  الأحزاب المضادة ومؤسسات الدولة السيادية، لما تملكه من فضائح معلبة للجميع، وأحيانا  كانت تلك الفضائح تُصنع على أعينها، وبرعايتها وتنظيمها هى شخصيا، حتى تضمن انصياع الكبار لها ، وكسر شوكتهم وقت الحاجة لذلك.
وحين تجبرت، وخرجت عن سيطرة الساسة،  فكروا فى  تصفيتها جسديا فى سرية تامة، بعد عقابها  بتدبير جريمة ذبح ابنها المعاق، والذى كان أحد نقاط ضعفها  الكبرى، فقد كان  يشدها إلى التوبة والتخلص من نفسها العاصية المذنبة، والمحملة بالآثام والخطايا،  وكان  سببا دائما فى احتدام  لهيب الصراع  فى دواخل نفسها المهترئة، مما أحدث تذبذبا فى عقلها الحائر  ما بين التغلب تارة والمغالبة تارة أخرى، حتى نجح فى انتشالها ببراءته ونقائه من بئر الآثام التى غرقت فيها طوال سنوات عمرها الخمسين، ولما ذبحوه عادت سيرتها الأولى، وتلبسها شيطان الشر،  ودفعتها روح الانتقام لتجهيز مليشيات مسلحة من أجل تدبير تفجيرات عديدة فى محافظات مصرية مختلفة، لتنتقم من المجتمع كله، وتقوض مفاصل الدولة، ومن ثم تخلف هذه الأعمال مئات الموتى والجرحى وذلك بمساعدة زوج أختها زعيم إحدى المنظمات الإرهابية الخفية، ثم تنتحرفجأة، لتترك حبيبها  المكلوم، الذى تحول من طبيب يعالج المجانين إلى مجنون بائس المصير.

•جاءت الرواية فى 34 مشهدا محكم السبك والحبك ، وكان الإطار الزمنى هو عام   2005 م
•اعتلى الراوى العليم منصة سرد الرواية، وتشابكت معه أصوات المنولوجات الداخلية والأحلام والهواجس التى أصابت البطلة، وقد اتبع كاتبنا فى الرواية نسقا سرديا غير نمطي، فجاءت النتائج أحيانا قبل بلوغ الأسباب، وكأنه وضع قارئ الرواية فى وسط حجرة مظلمة وبدأ يسلط كشاف الضوء على كل ركن وكل زاوية منها رويدا رويدا، لتتضح للمتلقى حقائق من الماضى تارة، ومن الحاضر تارة؛ حتى تكتمل الصورة ويفهم النص بشكل شامل، أى أنه لم يكشف كل التفاصيل دفعة واحدة بل أظهرها ظهورا  تدريجيا، فكسر ببراعة الروائى الخبير حاجز الملل، وجعل القارئ فى حالة توق و ترقب وشغف حقيقي لما هو قادم من أحداث
•سوسنة المستنقع رواية شيقة تخطف القارئ من السطر الأول حتى الأخير، وهو مستسلم، ومنوم مغناطيسيا، حتى يصطدم بشفير النهاية التى تأتى على غير رغبته،  ليخرج بمعنى أدبى قاطع وعميق  قيل على لسان أحد شخوص الرواية المهمين  وهو:
“لاتصدق كلمة الحب من عاهرة، ولا الوعد من سياسي ولا اليمين من تاجر، واستفت قلبك”.

زر الذهاب إلى الأعلى