دين و دنيا

د. حسنى ابوحبيب يكتب : عدو الدنيا والآخرة

قال حكيم: “اصْطَفِ مِنْ الْإِخْوَانِ ذَا الدِّينِ وَالْحَسَبِ وَالرَّأْيِ وَالْأَدَبِ ، فَإِنَّهُ رِدْءٌ لَك عِنْدَ حَاجَتِك ، وَيَدٌ عِنْدَ نَائِبَتِك ، وَأُنْسٌ عِنْدَ وَحْشَتِك ، وَزَيْنٌ عِنْدَ عَافِيَتك”.

بمعنى أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يتخذ خليلاً فعليه أن يصطفي ، فلا يكون اختياره للخلان اعتباطاً أو دون تدبر.

وأول صفة يطلبها فيمن أراده خليلاً أن يكون صاحب دين ، فصاحب الدين لا يأتيك منه إلا الخير وهو الصديق الصدوق الذي ينصحك ولا يغشك ، إن رآك على صواب ثبتك عليه وأعانك ، وإن رآك على خطأٍ حذرك منه ونهاك ، يفعل كل هذا ديناً وقربةً إلى الله تعالى لا يطلب منك جزاءً ولا شكوراً ، أما من لا دين لاه فلا أمان له ولا رجاء فيه بل هو عدو الدنيا والآخرة وصدق الله العظيم في قوله: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]. وصدق من قال: مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّهِ خِلَّتُهُ فَخَلِيلُهُ مِنْهُ عَلَى خَطَرِ.
أما الصفة الثانية التي يجب توفرها في الصديق فالحسب والنسب ، وهو أن يكون من نسل طاهرين ، ولا يراد بالحسب والنسب أسماء العائلات الكبيرة فقط بل لا بد من توفر الصلاح والتقوى ، فقد يكون الرجل من أسرة متواضعة لكنها موصولة بالله تعالى مستقيمة على منهجه وملتزمة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحسيب في غالب الأحيان يستحي من العيب وينأى عن النقائص إن لم يكن ديانة فخوفاً على سمعته وسمعت أسرته ،

كما أن صاحب الحسب يقول كلمة الحق ولا يخشى لومة لائم ، من هذا كانت رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري والتي يقول فيها: “لَا تَسْتَقْضِيَنَّ إِلَّا ذَا مَالٍ، وذَا حَسَبٍ ؛ فَإِنَّ ذَا المَالِ لَا يَرْغَبُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ ، وإِنَّ ذَا الحَسَبِ لَا يَخْشَى العَوَاقِبَ بَيْنَ النَّاسِ”. [البلاغة العمرية ص: 281].
والصفة الرابعة التي يجب توفرها في الخليل أن يكون ذا رأي وفكر ، وإلا فلا فائدة في صحبته ولا خير في مشورته ، وقديمًا قالوا: عدو عاقل خير من صديق جاهل. وما أصدق قول الشاعر:

ولأن يعادي عاقلاً خير له *** من أن يكون له صديق أحمق.
وجاء في الأثر: لا تصحبن خمساً ، من بينهم الأحمق لأنه يريد أن ينفعك فيضرك.
أما الصفة الخامسة والأخيرة فهي أن يكون ذا أدب وأخلاق ، والأدب كلمة جامعة تطلق على التخلق بالأخلاق الحميدة كما تطلق على العلم والبلاغة والفصاحة.

وينبغي لنا في هذا المقام أن نختم بأبيات قالها حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في الأخلاء:
أَ
خِلَّاءُ الرَّخَاءِ هُمْ كَثِيرٌ *** وَلَكِنْ فِي الْبَلَاءِ هُمْ قَلِيلُ
فَلَا يَغْرُرْك خِلَّةُ مَنْ تُؤَاخِي *** فَمَا لَك عِنْدَ نَائِبَةٍ خَلِيلُ
وَكُلُّ أَخٍ يَقُولُ أَنَا وَفِيٌّ *** وَلَكِنْ لَيْسَ يَفْعَلُ مَا يَقُولُ
سِوَى خِلٌّ لَهُ حَسَبٌ وَدِينٌ *** فَذَاكَ لِمَا يَقُولُ هُوَ الْفَعُولُ

نسال الله تعالى أن يرزقنا أخلاء أوفياء وأصدقاء صادقين وأحباب محبين لله وفي الله.

زر الذهاب إلى الأعلى