كتب: محمد حربي
أكد رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، عماد الأزرق، أن إطلاق الصين لمبادرة “الحزام والطريق” عام 2013 وقبلها منتدى التعاون الصيني – الأفريقي “فوكاك” عام 2000، وما أعقبه من تعاون رفيع المستوى بمختلف المجالات، خاصة التنموية والاقتصادية والتكنولوجية، كان بمثابة الحجر الذي ألقى في مياه العلاقات الدولية الراكدة، وكأن العالم المتقدم اكتشف فجأة أن خريطة العالم تتضمن قارة أفريقيا، التي تضم نحو 54 دولة.جاء ذلك خلال كلمته في حوار منتدى هونغ تينغ بالقاهرة: مسارات التحديث للصين والدول الأفريقية، الذي نظمته السفارة الصينية لدى مصر، ووكالة أنباء (شينخوا)، والمعهد المركزي لتاريخ الحزب الشيوعي الصيني وآدابه .
وقال الأزرق، إن الإقبال الكبير من القوى الكبرى على القارة السمراء، وأصبح هناك المنتدى الأمريكي – الأفريقي، والأوروبي الأفريقي، والبريطاني – الأفريقي، والفرنسي – الأفريقي والروسي – الأفريقي، والياباني – الأفريقي، والهندي – الأفريقي، وحتى التركي – الأفريقي، وهذه المنتديات على تعددها لم تسفر عن تعاون اقتصادي أو تنموي ملموس، وإنما تستهدف بالأساس الاحتواء واستمرار السيطرة والتشكيك، وقطع الطريق على التعاون مع الصين، وضمان عدم خروجها من دائرة النفوذ الغربي الذي لم يقدم للقارة سوى الاستعمار والفقر والمرض والديون.
وأوضح أن الصين نجحت من خلال التعاون مع القارة الافريقية، وجهود التحديث التي تبذلها بكين في القارة الافريقية، في أن تجعل الدول الأفريقية، قوى مؤثرة وفاعلة إلى حد ما في النظام الدولي، وهو ما وضح من انسحاب الدور الأوروبي والأمريكي تدريجيا من الكثير من الدول الأفريقية التي كانت تعتبر حديقتها الخلفية، وبروز مؤشرات قوية على ولادة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب يعتمد على التعاون المشترك والفوز المتبادل وبما يحقق العدالة والإنصاف للجميع، وهي أمور بالتأكيد تثير قلق وغضب الغرب.
وأشار الأزرق، إلى أنه قبل الحديث عن مستوى، حجم التبادل التجاري بين الدول، والبيانات السياسية أو الاقتصادية الصادرة عن الاجتماعات والمؤتمرات، لابد من ترجمة هذه القرارات والبيانات على أرض الواقع، وقدرة التعاون المشترك على إحداث تغيير فعلي وحقيقي ومؤثر من خلال أنشطة اقتصادية حقيقية تستهدف توطين التكنولوجيا والصناعة وبناء القدرات، بما يمكن هذه الدول من الاعتماد من البناء المستمر، والاعتماد على ذاتها، بتغيير في الهيكل الإنتاجي، والميزان التجاري، وميزان المدفوعات وغيرها، وهذا لن يتحقق إلا عن طريق التحديث المستمر والإنتاج المتطور خاصة الصناعي والزراعي والتكنولوجي.
وأضاف الأزرق، أن الصين أعلنت التزامها بتحديث القارة الإفريقية، من خلال المبادرة التي أعلنها الرئيس شي جين بينغ في اجتماع الحوار لقادة الصين والدول الإفريقية، والذي عقد في 24 أغسطس الماضي بجوهانسبرج، وتضمنت مبادرة الرئيس شي ثلاث سياسات لتحديث أفريقيا صناعيا وزراعيا وبناء القدرات، وتمثلت في: إطلاق “مبادرة دعم العملية الصناعية لإفريقيا”، و”برنامج الصين لدعم التحديث الزراعي الإفريقي”، وتنفيذ “برنامج التعاون الصيني الإفريقي لتأهيل الأكفاء” من خلال تدريب 500 رئيس وأستاذ محوري للمعاهد المهنية الإفريقية، وتأهيل 10 آلاف كفء يتقن “اللغة الصينية والمهارات المهنية”، ودعوة 20 ألف مسؤول حكومي وكفء تقني إفريقي للمشاركة في فعاليات الندوات وورشات العمل. ودعم إفريقيا لرفع قدرتها على الابتكار التكنولوجي والتعليمي، عن طريق “برنامج التعاون بين مائة جامعة صينية وإفريقية”، وكذلك اطلاق 10 مشاريع تجريبية لإنشاء معاهد الشراكة بين الصين وإفريقيا.
لافتا إلى أن الحرص الصيني على التعاون مع القارة الأفريقية فيما يتعلق بالتحديث، جاء اتساقا مع المبادرات التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ المتعلقة بالتنمية العالمية والحضارة العالمية والأمن العالمي، في اطار بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، لتكون إطار عاما للنظام الدولي الجديد، الذي يضمن التعايش السلمي والتناغم بين الجميع ويستند على التعاون المشترك، والفوز للجميع، بما يحقق العدالة والإنصاف، بدلا من سياسات الاستغلال والاستنزاف والهيمنة، وقانون القوة والعدوان الذي يحكم العلاقات الدولية حاليا، مشددا على أن الشعب الصيني التي أخذ على عاتقه تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني تحديث بلاده على مدى نحو 100 عام، ونجح في انتشال نحو 800 مليون صيني من تحت خط الفقر المدقع، ومستمر بجدارة في مسيرة التحديث الصيني النمط وصولا إلى تحقيق هدفه المئوي الثاني المتمثل في “بناء الصين دولة اشتراكية حديثة قوية ومزدهرة وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وجميلة” بحلول مئوية تأسيس دولة الصين عام 2049، وبما يحمله من صداقة تاريخية قوية مع القارة الأفريقية وفي ظل التماثل والتشابه الكبير بين الجانبين الصيني والأفريقي، لقادر على التعاون مع الدول الأفريقية على انفاذ إرادتها في تحديث القارة، بحيث تكون القارة الأفريقية قوة مضافة إلى الصين، ويكون كلا منهما داعما ومساندا للأخر في كل مجالات التعاون المشترك، لاسيما وأن النتائج بالغة الإيجابية التي حققها التحديث الصيني يشجع الدول الأفريقية ويدفعها دفعا للاستفادة من التحديث الصيني النمط ليساعدها على الخروج من تلك الدائرة الجهنمية “الجهل والفقر والمرض”، لتنطلق الصين وأفريقيا إلى أفق رحبه من التعاون المشترك ويساهما سويا في بناء النظام الدولي الجديد.