إن خروج أكثر من 30 مليونا من شعب جمهورية فنزويلا البوليفارية، إلى صناديق الاستفتاء الاستشاري اليوم 3 ديسمبر، لدعم قرار الحكومة الفنزويلية في المطالبة بإستعادة حقوقها التاريخية والسياسية والقانونية بمنطقة جوايانا إسيكيبا، البالغ مساحتها 160 ألف كلم مربع غرب نهر الإيسيكيبو، التي انتزعتها المملكة المتحدة ” بريطانيا” إبان الفترة الاستعمارية، في عام 1899م، إنما هو بشرة خير للفلسطينيين، وأنه مهما طال ظلام ليل الظلم، فإنه لابد وأن تشرق شمس النصر، وتعود الحقوق لأصحابها.
والقاسم المشترك في الحالتين الفنزويلية والفلسطينية، هو العمق التاريخي للحقبة الإستعمارية لبريطانيا، التي عمدت سياستها على خلق بؤر توتر، وترك مناطق ملتهبة في مستعمراته القديمة، وكما زرعت الكيان الصهيوني الإسرائيلي المحتل في فلسطين العربية، بموجب وعد بلفور عام 1917 م – حيث أعطى من لا يملك لمن لا يستحق -، فقد كررت نفس السيناريو على حدود فنزويلا، وقبل أن تتخلى عن مستعمرتها في منطقة جوايانا ومنحها الحكم الذاتي عام 1966 م، بعد فترة إحتلال دامت نحو 150 عاما، بدأت منذ عام 1814، وصبغتها بالثقافة واللغة الإنجليزية، على خلاف حال باقي دول أمريكا الجنوبية، عمدت إلى ألقاء عود ثقاب على الحدود مع فنزيلا في منطقة جوايانا إسيكيبا.
إن استفتاء اليوم، يطلب من شعب فنزويلا البوليفارية، التصويت على رفض قرار قضائي صدر من محكمة باريس عام 1899م، تحدددت بموجبه الحدود الفنزويلية مع غوايانا – التي كانت مستعمرة لبريطانيا وهولندا -، والتأكيد على ضرورة العودة للخريطة القديمة التي رسمتها مملكة إسبانيا عام 1777، والتي ظل يدافع عنها الشعب الفنزويلي، ويقدم التضحيات منذ إعلان إستقلاله في عام 1811، واستمرت الأوضاع هادئة حدوديا، وبإعتراف من المملكة المتحدة بصفتها المستعمرة لجوايانا، حتى 1840 م، عندما شرعت لندن برسم حدود مع فنزويلا تستقطع فيه منطقة جوايانا إيسيكيبا.
وقد شهد عام 1966 تم التوقيع اتفاقية جنيف، بين فنزويلا البوليفارية وجوايانا، بشأن ترسيم الحدود بين البلدين من خلال المفاوضات المباشرة، إلا أنه وعلى أثر تدفق النفط والغاز من المنطقة الحدودية، اشعلت أيادي خارجية فتيل الأزمة، وفي عام 2018 قامت بحريض جوايانا على اللجوء من جانب واحد إلى محكمة العدل الدولية، التي تشكك فنزويلا في حياديتها منذ تأسيسها، منذ الحقب الزمنية المختلفة، الخمسينيات، والستينيات، والسبعينيات، والثمانينيات، والتسعينيات، بسبب وجود شبهة تدخلات من القوى العظمى، والهيمنة على صناعة أحكامها، وفقا للأهواء والمصالح، والكيل بمكيالين، وأصدق دليل على ذلك الصمت إزاء الإنتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وعدم وجود حكم يدين إسرائيل.
إن جمهورية مصر العربية وفنزويلا البوليفارية، اللذان يعقدان اللجنة المشتركة بينهما في الربع الأول من عام 2024، هما شركاء منذ خمسينيات القرن الماضي، مع دول حركة عدم الانحياز، في خلق كيان على الحياد دوليا، كان على مسافة متساوية من القوى المتصارعة، لا سيما خلال ما يعرف بفترة الحرب الباردة، وحافظت على قرارها وسيادتها، بعيدا عن الإستقطاب من هذا أو ذاك، وهي تستطيع الآن إعادة تعبئة الموقف لتطبيق السلام، وحل الصراع العربي الفلسطيني مع الكيان الصهيوني الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس .
يجب النظر إلى أن موقف فنزويلا البوليفارية الذي يفضح التدخلات الخارجية وهيمنة القوى العظمى على توجيه أحكام محكمة العدل الدولية، وعدم صلاحيتها لتسوية الخلافات، بأنه يتفق مع التوجهات العربية الإسلامية، الرافضة لإزدواجية المعايير، والكيل بمكيالين في أحكام المحكمة، وأنه لابد من إعادة تصحيح المسار القانوني لها، أو إيجاد آلية دولية أخرى أكثر نزاهة وشفافية للفصل في النزاعات، وفي مقدمة ذلك تسوية القضية الفلسطينية، وإنهاء الإحتلال الصهيوني الإسرائيلي – أخر إحتلال بغيض على وجه الأرض -، وإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين، وعاصمتها القدس الشريف
وإذا كان الاستفتاء الاستشاري لفنزويلا البوليفارية في هذا اليوم، والمتعلق بـما يسمى ” آليات تنفيذ المطالب المنصوص عليها في اتفاقية جنيف للسلام عام 1966″، يمثل نقطة البداية لتحرك جديد دفاعا عن الحقوق التاريخية والسيادية للشعب الفنزويلي على أرضه، فهي تفتح باب الأمل أمام القضية الفلسطينية، من أجل إنهاء الإحتلال الصهيوني الإسرائيلي، الذي أقترب من عقده الثامن، وعودة الشعب الفلسطيني من المهجر والشتات ليقيم دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وبذلك يكون إنتصار فنزويلا بشرة خير للفلسطينيين .
كاتب صحفي
moiharby1968@yahoo.com