آراءأهم الأخبار

محمد حربي يكتب: إرادة فنزويلا وغصن الزيتون العربي


من الإرادة الفنزويلية، إلى غصن الزيتون العربي، حكايات كتبها الزمان، وسجلها التاريخ، ربما تشابهت في ظروف ميلادها، لخروجها من رحم إستعمار واحد، فهما شقيقتان ” نكبة فلسطين “، ومنطقة ” جوايانا إيسيكيبا “، وإن اختلف المكان، وبعدت المسافات، لأنه ظل الوداد موصول عبر أثير وحدة المصير، وتألم الفنزويلي لألم الفلسطيني، وعاش العربي متضامنا مع البوليفاري، حتى خلدته أكبر عاصمة عربية في أحد ميادينها، واحتضنت تمثال محرر الفنزوييليين، الزعيم والمناضل سيمون بوليفار.
ورغم هذه القواسم المشتركة في الملامح بين القضيتين الفلسطينية والفنزويلية، إلا أن التباين في الشخصية، جعل المسار يختلف، فهو أخذ طريق النضال والتحدي في أمريكا الجنوبية، بينما رفع العرب على أسنة الرماح مبادرات السلام، من طرف واحد، حتى باتت كالبضاعة الراكدة، لا يرغب العدو فيها، وظن ضعفاء النفوس أن الغلبة للكيان الصهيوني الإسرائيلي، لكون مدعوما من أقوى قوة عظمى على كوكبنا الأرضي، وتناسوا قدرة ملك السموات والأرض، ومشيئته بين ” الكاف والنون”، عندما نأخذ بالأسباب، ونعد لهم ما استطعنا من قوة، نسترد ما سلبه المستعمر.
وقد تخلى الإستعمار عن الأراضي المستعمرة، لكنه عهد بها إلى وكيل يدين له بالولاء، ويكون خليفته، يخدم سياسات وأطماع من زرعه شوكة في ظهر المنطقة، ويثير فيها الفوضى، والاضطرابات والقلاقل، فلا يجعلها تنعم بالهدوء والإستقرار، وكما يقول الشاعر الحكيم أبو الطيّب المتنبي: مات في البريـة كلـبٌ فاستـرحنا من عـواه.. خلف الملعـون جـرواً فـاق في النبـح أباه، ودفع كل من الفلسطينيين والفنزويليين الفاتورة لما يقرب من قرن من الزمان تقريبا، منذ وعد بلفور المشئوم عام 1917م، ومرورا بنكبة عام 1948 م وإحتلال أرض فلسطين، وفي فنزويلا بإشعال فتيل أزمة منطقة ” جوايانا إيسيكيبا” .
وفي أعقاب استقلال فنزويلا عن المستعمر الأسباني عام 1923 م، استغلت المملكة المتحدة الظروف الداخلية التي عاشها الفنزويليين، ومرحلة إعادة البناء لوطن انهكه اللإستعمار، وضم التاج البريطاني لمستعمرته جزء من الأراضي الفنزويلية ” جوايانا إيسيكيبا “، التي تعوم على مخزون من الثروات والمعادن والنفط، وعندما اشتد عود النظام الفنزويلي، وقوي نظامه، بدأ يطالب بريطانيا العظمى بأراضيه، حتى كاد يدخل في حرب مع المستعمرين البريطانيين عام 1893، إلا أنه تم الاحتكام إلى حكم التحكيم في باريس بفرنسا عام 1899م، ولكنن كان حكما غير محايد، شابه كثيرا من القصور، ولم ينصف أصحاب الحق.
لم يستسلم الفنزويليون ، وعلى مدى عقود طويلة واصلوا مسار نضالهم دفاعا عن أرضهم، واستردادها من التاج البريطاني المستعمر، حتى تم التوصل إلى ما يعرف بـ”معاهدات جنيف عام 1966 م “، التي قامت بإلغاء تحكيم باريس السابق، والتوافق على خيار الحل الدبلوماسي للمشكلة بين الطرفين، وهذا الإتفاق لم تلتزم به جوايانا، بعد أن حصلت على إستقلالها من المملكة المتحدة، وبدأت عمليات التصعيد ضد فنزويلا، بدعم وتحريض من الولايات المتحدة الأمريكية، التي يسيل لعابها على ما في باطن منطقة ” جوايانا إيسيكيبا ” من مخزون نفطي وثروات معدنية.
وترفض فنزويلا تدخل محكمة العدل الدولية، وشكك في نزاهة أحكامها، وتتهم قضاتها بأنهم يصدرون أحكاما وفقا لهوى القوة العظمى ” الولايات المتحدة الأمريكية”، وتتمسك الحكومة الفنزويلية بالعودة للحدود الطبيعية، كما كان عليه الحال عام 1777م، وأن المعالجة الحقيقية للنزاع تكون من خلال المفاوضات الثنائية في إطار اتفاق جنيف، وعلى هذا الأساس جاء إستفتاء 3 ديسمبر الماضي، الذي صوت فيه الناخبين الفنزويليين بنسبة 95 بالمئة لصالح ضم منطقة ” جوايانا إيسيكيبا ” – مساحتها 160 ألف كيلو متر تقريبا -، ورفض الحكم الصادر عام 1899 م بخصوص حدود البلاد مع غويانا التي كانت مستعمرة سابقة لبريطانيا وهولندا.
وفي المقابل، لو نظرنا إلى حال القضية الفلسطينية، التي ظلت منذ وعد بلفور المشئوم، ونكبة الإحتلال عام 1948 م، تشكل جزءا لا يتجزأ من التاريخ السياسي للمنطقة العربية، وحكاية العالم العربي، فيما تعامل الغرب مع فلسطين من خلال عيون الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي، وعبر نوافذ وبوابات تأخذ بعين الاعتبار أمن، وبقاء، وديمومة قوة إسرائيل، ولعل هذا يفسر عزف الإيقاعات الغربية، وبمختلف لهجاتها في مواقفها من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي .
إن الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن يغفلها، ما تمثله إسرائيل بالنسبة للإمبريالية الغربية، والقوى العظمى، بإعتبارها ركن من أركان منظومته، وأحد أعمدته السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، وتقوم بمهمة تحقيق معادلة توازنات الأمن الاستراتيجي الغربي في المنطقة والعالم، ولعل هذا يفسر لنا سر النكبة الفلسطينية، وإستمرار قضية فلسطين، وعلى مدى عقود طويلة على جداول أعمال الاجتماعات والمباحثات، بلا أي إرادة حقيقية للتوصل إلى حل عادل، لذا ظلت كاليتيمة على موائد اللئام .
وعقب نكبة فلسطين في عام 1948، جرت مفاوضات سرية بين عواصم عربية مع النظام الإسرائيلي، لتعزيز علاقات التعاون، حتى جاءت لحظة الخطأ والخطيئة الكبرى، عندما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية في فخ، وإن شئت قل مصيدة أوسلو عام 1993، وإبرام إتفاقية مع الإسرائيليين، التي شرعنت للأنظمة التي كانت تتحنجل في علاقتها مع إسرائيل أن تكشف عن وجهها، وهي تهرول في إتجاه التطبيع المجاني، في حين ظل الشعب العربي متمسكا بموقفه الرافض للمشروع الصهيوني في المنطقة، وتطوع آلاف العرب لمقاومته .
لقد أثبتت التجربة، إن مبادرات السلام العربية، ومنذ قمة بيروت عام 2002 م، أنه كالحب من طرف واحد، نصيبها الرفض والتجاهل من الكيان الصهيوني، وتضع الأمة كلها في وضع مهين غير لائق أمام العالم، يفسره استمرار إسرائيل في عدوانها ضد الشعب الفلسطيني، بل وتشجيعه على التشدد، والتمادي في حلقات مسلسل انتهاكاته، لقناعته في الجانب العربي الذي يعيد تعليب نفس المبادرة في كل قمة على مستوى القادة والزعماء والرؤساء، وبإلحاح شديد، قد استنفذ كل أوراقه، ولم يعد يملك وسيلة أخرى رادعة.
من الأهمية أن ندرس التجربة الفنزويلية في التحدي وقوة الإرادة، لأنها أعتمدت على تلاحم القيادة مع الشعب، وقد كسب الرئيس نيكولاس مادورو الرهان، عندما جاء التصويت بأغلبية ساحقة، ليمنحه صك التفويض الشعبي في المضي قدما، نحو إستعادة منطقة ” جوايانا إيسيكينا ” وضمها لأراضي فنزويلا، دون أي اعتبار لتهديدات القوى العظمى والغطرسة الأميركية، لذا نحتاج كعرب التوقف على حالة التسول الكلامي، والرسائل والترجي، ونلقي من أيدينا غصن الزيتون، وندعم المقاومة الفلسطينية في غزة، حارسة المشروع الوطني الفلسطيني وأم الحركة الوطنية الفلسطينية وتاج ثورة الفلسطينيين، ونؤمن بأن الحقوق تنتزع ولا تستجدى، وما أخذ بالقوة يسترد بالقوة.
كاتب صحفي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى