إن اغتيال الإعلامي سامر أبو دقة، مصور قناة الجزيرة، جريمة جديدة تضاف إلى سجل الإحتلال الإسرائيلي الأسود، الذي وضع ضمن أهداف إغتصاب أرض فلسطين، عمليات الإرهاب المعنوي للإعلاميين، وإستهدافهم بشكل مباشر أو غير مباشر، ليبتعدوا عن المشهد، فيمارس هوايته المعتادة في التعتيم، وطمس الأدلة، واحتكار المعلومة برؤية أحادية كريهة، وفرض سرديته الصهيونية المزيفة، وإخفاء الحقيقة، لتضليل العالم، مغمض العينين، الصامت ضميره، منذ أول جريمة قتل صحفي في تاريخنا المعاصر، تعرض لها الأميركي إيليا باريش لوفغوي، دفاعا عن الحرية بالغرب عام 1837م، وإلى الشرق مرورا بالشهيدة الفلسطينية شيرين أبوعاقلة، وهي ترتدي شارة الصحافة .
وظلت الإنسانية عاجزة، تتجرع كأس الندم، وتزرف دموع الألم، مع تزايد الانتهاكات ضد الأبرياء والعزل، والجرحى والأسرى خلال الحروب، قبل صحوة الضمير العالمي، والتفكير في طريقة لكبح جماح الجيوش المتعطشة للدماء، حيث استقر الرأي على اتفاقيات جنيف الأربعة لحقوق الإنسان، التي بدأت مرحلتها الأولى عام 1864م، وآخرها عام 1949، وفيه تنص المادة 79 من البروتوكول الأول الإضافي، بالحفاظ على سلامة الصحفيين، وهم يباشرون مهمامهم الصحفية بمناطق المنازعات المسلحة، وحمايتهم كمدنيين.
وعلى الرغم من إتفاقيات جنيف الأربعة، وبروتوكولاتها الثلاثة، بجانب الإعلانات والمعاهدات والمواثيق الدولية، وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 م، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام 1966م، وغيرها من الإتفاقيات الإقليمية، والثنائية بين الدول، كانت محاولة لتوفير حماية إضافية لضحايا النزاع المسلح من مدنيين، وصحفيين، إلا أن قوات الإحتلال الصهيوني، ضربة بكل عرض الحائط، ومازالت مستمرة في أعمال البلطجة، وانتهاك حقوق الإنسان، دون حساب للمجتمع الدولي، ظننا من منها أنها فوق القانون، إعتمادا على الفيتو الأميركي.
لقد قتلت إسرائيل، وبرصاص أميركي، منذ الحرب الوحشية على قطاع غزة 92 صحفي وصحفية، لا يحملون سوى القلم أو الكاميرا لنقل الحقيقة، تعقبتهم أينما ذهبوا في محاولة منها لمحو فضائحها، وهمجيتها، ووحشيتها البربرية، والتعتيم على أعمال الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، أمام الرأي العام العالمي.. وتظل الغطرسة الصهيونية التي تتحدي، وبشكل سافر كافة القوانين الدولية، التي تصنف استهداف الصحفيين بمناطق النزاع المسلح ” جرائم حرب”، لا تسقط بالتقادم .
وفي الوقت الذي خضع فيه رؤساء وقادة دول، لسيف المحكمة الجنائية الدولية، ما بين المحاكمة والملاحقة بتهم إرتكاب جرائم حرب وإبادة ضد الإنسانية، وكان أبرزهم: الرئيس اليوغسلافي الأسبق سلوبودان ميلوسوفيتش، والقائد العسكري الصربي الأسبق رادوفان كاراديتش، ورئيس كوت ديفوار (ساحل العاج) الأسبق، والرئيس السوداني المخلوع عمر حسن البشير، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ” هتلر القرن الحادي والعشرين”، ووزير دفاعه يوآف غالانت، مازالا خارج دائرة الحساب والعقاب، يتمتعان بحصانة الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من ارتكابهما لمجازر ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مع محاولات التعتيم الإعلامي، وإخفاء أدلة الإثبات، وطمس الحقيقة، منذ 7 أكتوبر الماضي.
إن تصاعد الدعوات الدولية، وتقدم خمس دول هي: جنوب أفريقيا وبوليفيا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي، بطلبات للمحكمة الجنائية الدولية، لا ينبغي أن تقتصر على مجرد إدانة القادة الإسرائيليين ” نازية العصر” وحدهم، في حرب الإبادة، واستخدام الفسفور الأبيض المحرم دوليا ضد الفلسطينيين بقطاع غزة، بل لابد من ضم بعض القيادات ألأميركية التي تورطت في هذه الجرائم، سواء بالتآمر أو التحريض، لصحيفة الدعوى، وفقا لنص الفقرتين (ب وج ) من المادة الثانية للنظام الأساسي للمحكمة، التي تدين كل من أرتكب الفعل الإجرامي، أو خطط، أو حرض عليه.
يجب على العالم المتمدن، أن يستيقظ من سباته، خاصة مع إرهاصات ولادة نظام عالمي جديد، من أجل وقف الحرب الصهيونية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، التي تجاوزت يومها السبعين تقريبا، دمرت فيها إسرائيل البشر والحجر، وحاولت إخفاء الأدلة، لا يردعها قانون دولي، ولا تلزمها مواثيق وعهود، ومازالت تمارس غطرستها بفعل الدعم الأميركي اللامحدود، الذي يتعارض مع روح الأمم المتحدة، ويهدد السلم والأمن، إقليما وعالميا، ويعيد البشرية إلى الفوضى، وشريعة الغاب، وتلك هي الحقيقة التي لا يمكن طمسها .
moiharby1968@yahoo.com