تبددت سحابة الصيف، وانقشع الضباب الأسود، وأشرقت شمس الأمل، وعودة الروح للعلاقات المصرية – التركية، على ركيزة من الثقة المتبادلة، والبناء على القواسم بين البلدين، في السعي نحو تعزيز المصالح المشتركة، والتعاون الاقتصادي، بما يصب في مصلحة الشعبين الشقيقين المصري والتركي، بجانب التشاور والتفاهم بشأن الملفات ذات الأبعاد الإقليمية، والدولية، وفي مقدمتها قضية الأمة الإسلامية ” فلسطين”، وما يتعرض له قطاع غزة من حرب دموية منذ يوم 7 أكتوبر، على يد حكومة نتنياهو المتطرفة، والغطرسة الإسرائيلية، بدعم الإمبريالية الغربية، وفيتو أميركي، مع عجز المجتمع الدولي، و صمت مخزي للرأي العام العالمي، ومن هنا تأتي أهمية التقارب بين القاهرة وأنقرة، كقوتين لهما ثقلهما الإقليم والعالمي.
هذه المرحلة، تحتاج إلى تكيف الحوار، على مختلف الأصعدة، الرسمية والشعبية، والاجتماعات بين رجال الأعمال، والقطاع الخاص، لوضع رؤية مشتركة، وتحديد النقطة التي نقف عندها في علاقات البلدين، وقياس المسافة بين الواقع والمأمول، في ظل المعطيات والإمكانيات المتاحة لدى كلا الجانبين، وسبل تعزيز أطر التعاون، والاستغلال الأمثل للفرص الاستثمارية التي بإمكان كل طرف أن يطرحها على المستثمرين، وفقا للأولويات في كل سوق، بل وكيفية الاستفادة من الميزة النسبية للمواقع الجغرافية، خاصة وأن مصر تعد بوابة أفريقيا، بدولها الأربع والخمسين.
ومع استمرار الحوار المصري- التركي، تتجدد الثقة التي تعد قوام العلاقات، ومفتاح استمراريتها، ويعززها، التفاهمات المتبادلة بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي، ورجب طيب أردوغان، وصدق النوايا، في طي صفحة الماضي، وبدء صفحة جديدة من التعاون المثمر، والمشروعات المشتركة، ولا سيما في مجال المناطق الصناعية، والتبادل التجاري، بما يخدم مصالح الشعبين، فضلا عن مكانة كل من مصر وتركيا باعتبارهما من أهم دول شرق البحر المتوسط، وكلاهما يقدر أهمية وقيمة الدور الإقليمي للآخر.
ووفقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فإن قيمة التبادل التجارى بين مصر وتركيا ارتفعت لتصل إلى 7.7 مليار دولار خلال عام 2022، مقابل 6.7 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 14%، ومع ذلك فإنها مازالت دون المستوى المنشود، وطموحات الشعبين المصري والتركي، والوفورات الاقتصادية عند البلدين، والفرص الاستثمارية الواعدة، خاصة بعد زيارة وزير التجارة بالجمهورية التركية عمر بولات للقاهرة، ولقاء نظيره أحمد سمير وزير التجارة والصناعة، والاتفاق على زيادة حجم التبادل التجاري، بين البلدين، من 10 مليارات إلى 15 مليار دولار خلال 5 سنوات.
إن آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري واعدة بين مصر وتركيا، وتحتاج إلى رسم خريطة مستقبلية للأنشطة استثمارية، والفرص المتاحة، وتفعيل مجلس الأعمال المصري- التركي، يعد اللبنة الأولي لعودة العلاقات المصرية التركية، بعد توقفه نحو 10 سنوات – ويعمل تحت مظلة جمعية رجال الأعمال المصريين- ، وعودته من جديد، لعقد دوراته المشتركة، وتبادل الزيارات لوفود رجال الأعمال في البلدين خلال الفترة المقبلة، والاتفاق على رؤية مشتركة للجانبين فيما يتعلق بالاستثمارات المشتركة، والرغبة في توسيع مشروعات المنسوجات والملابس والمفروشات وقطع غيار السيارات، التي من شأنها خلق آلاف فرص العمل، ودراسة كافة احتياجات الأسواق البينية، والتصدير للدول الأخرى.
مع الثقة المتبادلة، سوف تعود الروح للعلاقات المصرية – التركية، وبتفعيل دور مجلس الأعمال المصري – التركي، تتفتح آفاق التعاون الاقتصادي، وزيادة التبادل التجاري، وإقامة المشروعات المشتركة، والاستغلال الأمثل للفرص الاستثمارية المتاحة، وإقامة قاعدة صناعية، لسد احتياجات المستهلك المحلي، مع التصدير لأسواق دول الجوار الأفريقي، ومن شأن كل ذلك أن يلقي بظلاله على تقارب وجهات النظر بين البلدين على الصعيد السياسي، والتفاهمات حول القضايا الإقليمية، والدولية، بإعتبار أن السياسة والإقتصاد كلاهما وجهان لعملة واحدة، هي المصلحة المتبادلة.
ويبقى في النهاية، التعويل على دور البعثات الدبلوماسية في كل من القاهرة، وأنقرة، ليس في متابعة تفعيل ما يتم الاتفاق عليه من مصالح إقتصادية وتجارية، وفرص استثمارية، أو حتى تفاهمات سياسية، بل من خلال الحضور الجماهيري، والتقارب المجتمعي، والحق يقال فإن السفير التركي لدى مصر، صالح موطلو شن، يبذل أقصى جهده على المسار الشعبي، من خلال الفعاليات المتنوعة، بما فيها الفنية، التي تخاطب الوجدان الإنساني، أضف إلى هذا وذاك الخصوصية التاريخيية بين الجمهورية التركية وجمهورية مصر العربية، من حيث إمتداد جذور بعض الأسر المصرية إلى تركيا، وكلها عوامل تعزز من زيادة وتيرة اللحمة والانسجام بين البلدين .
صحفي وكاتب
moiharby1968@yahoo.com