ما أكثر الذين امتطوا جواد ” الأنا “، وظنوا أنهم يصعدون إلى القمة، فإذا بهم يسيرون نحو الهاوية.. وبنيامين نتانياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني واحد من هؤلاء، الذين أصابهم الغرور، فسقط في بئر الأزمات، والمشاكل، وأصبح ملاحقا قضائيا، وزاد الطين بلة، مأزق دخوله حربا مفتوحة في غزة، ورفع سقف أهدافه إلى القضاء على ” حماس”، وهو المستحيل.. وهذا الفشل سوف يدفع ثمنه ضمن حساب ملفاته المفتوحة أمام المجتمع الإسرائيلي، إما في ساحات المحاكم الإسرائيلية، أو بتراجع شعبيته، وخسارة مستقبله السياسي، بعد انحسار الفيتو الأميركي عنه، وكتابة السطر الأخير لنهايته..وليسجل التاريخ حكاية مغرور إسرائيل.
وكثيرا من الذين تعاملوا مع نتانياهو، وصفوه بالمغرور.. ربما لأنه رأى نفسه قائدا سابقا لأحد فرق قوات العمليات الخاصة ” سايريت متكال “، أو لأنه كان أصغر رئيس وزراء لإسرائيل سنا، وأطولهم جلوسا على كرسي الحكم، لمدة تصل إلى خمسة عشر عاما، منها اثنا عشر عاما متتالية.. يضاف إلى ذلك، ما فعله في مارس عام 2015م، عندما ذهب إلى الكونغرس الأميركي – جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ -، بدون أن يستأذن البيت الأبيض في واشنطن، ومخالفا بذلك قواعد البروتوكول، ليهاجم المفاوضات التي كانت تجريها ” مجموعة السبع” مع إيران، حول برنامجها النووي، و” سعى في خرابها”، بشكل أثار غضب الرئيس باراك أوباما، آنذاك.
إن تحدي نتانياهو لأوباما، وإدارة البيت الأبيض، أمام الكونغرس، كانت على طريقة الفتوات، بضرب ” كرسي في الكلوب”، ليدمر مباحثات ” الدول السبع الكبرى، بما فيها أميركا”، الرامية لوضع بداية النهاية لأزمة النووي مع إيران.. فهو اختار ” الأنا ” على السلام الإقليمي والعالمي، وانتهز الموقف للمزايدة، خاصة وأن الإسرائيليين كانوا على أعتاب انتخابات بعدها بأسبوعين آنذاك، ووجدها فرصة لزيادة أسهم حزبه ” الليكود ” في الشارع الإسرائيلي، والظهور أمام اليهود الأميركيين المتشددين، بصورة البطل المناهض للإيرانيين، وهي نفس الاسطوانة، التي لطالما خدع بها الناخبين الإسرائيليين، بإعتباره ” حامي إسرائيل”، وظل شعاره الانتخابي المتكرر ” قد لا تحبني، وقد لا تثق بي، ولكني وحدي من يستطيع الحفاظ على سلامتك ” .
وحالة الهوس التي يعيشها نتانياهو، ودمويته، وكراهيته للسلام، لها جذورها التاريخية، المرتبطة بنشأته الأولى، داخل أسرة يهودية متطرفة، فكان الأب يميني متشدد، عانى من الاضطهاد على يد اليسار الإسرائيلي، فيما فقد شقيقه الأكبر يوناتان ، الذي سقط أثناء عملية اقتحام لطائرة إسرائيلية، تم اختطافها، إلى مطار عنتيبي الأوغندي عام 1976م، ويضاف لذلك، الهاجس الداخلي، الذي يسيطر على عقليته، وإسرائيليين غيره، من” لعنة العقد الثامن”، الذي يكتمل عام 1928م، لأنهم يعتقدون أن عمر دولتهم 80 عاما، وخشيتهم على إسرائيل من الزوال، استنادا لسوابق تاريخية، في عدم صمود الدولتين اليهوديتين السابقتين ” مملكة داود وسليمان، ومملكة الحشمونائيم”، اللتان لم تعمرا أكثر من ثمانية عقود.
و نتانياهو، الذي أفصح بأنه يخوض حربا وجودية في غزة، ويكافح من أجل بقاء إسرائيل، لا يدرك حجم التكلفة التي يتكبدها الإقتصاد الإسرائيلي يوميا، كما لم يستمع لصوت منظمة “كسر الصمت” – وهي مجموعة إسرائيلية من المحاربين القدامى -، التي دعت إلى ضرورة أخذ الدرس من صراعات الماضي، قناعة، بأن القوة وحدها لا تستطيع توفير الأمن والأمان للإسرائيليين، ولا بيئة صالحة لغصن السلام، كما أن الأجيال المتعاقبة من الفلسطينيين، والعرب، والمسلمين، لن تنسى مشاهد التدمير والقتل – على حد وصف الكاتب البريطاني المعروف “ديفيد هيرست” -، وربما كان الجيل الفلسطيني القادم أشد ضرارة -على حد تعبير، موسى أبومرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية ” حماس “-.
كما أن نتانياهو المغرور، الذي وقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها العادية ” 78″، يوم 19 سبتمبر الماضي، وتحدث لمدة 25 دقيقة، عن الشرق الأوسط الجديد، ويلوح بخريطة خالية من فلسطين، ويتفاخر بأن ” تل أبيب “، على أعتاب إختراق تاريخي، وظن أنه قد فرض أمرا واقعا، إلا أن طوفان الأقصى، يوم 7 أكتوبر الماضي، قلب الطاولة عليه، وزلزل الأرض تحت أقدام اتفاقيات ” أبراهام “، أو الاتفاقيات الإبراهيمية، للتطبيع المجاني، وليمنح قبلة الحياة للقضية الفلسطينية، ومركزيتها، وإعادة إحياءها من جديد في نفوس الأمة، التي تملكهما اليأس، والإحباط في زمن المهرولين نحو التطبيع.
ورغم أن ” نتانياهو”، يقف على حافة الهاوية، فمازالت تغره الأماني، ومتمسك بالقضاء على حركة ” حماس”، وهو لا يدري أن إدارة الرئيس الأميركي ” بايدن ” تقوم بنسج كفن نهايته، وإعلان وفاته سياسيا من داخل البيت الأبيض، حتى قبل انتهاء الأجل، وكأنه ” إعدام ميت “، حيث جري الحديث عن سيناريوهات مرحلة ما بعد رحيله عن المشهد السياسي، ومن هي الشخصية الإسرائيلية المرشحة لخلافته، استعدادا لليوم التالي، عندما تصمت أصوات المدافع، وتبدأ عاصفة إسرائيل الداخلية من : الأزمات، والاتهامات، ولجان التحقيق، يتبعها محاكمات وأحكام، وربما إقالات، واستقالات، لقادة ومسؤولين في الجيش الإسرائيلي، ليستريح الجميع من الظاهرة ” النتانياهوية ” الأنانية، المغرورة.. وإن غدا لناظره قريب.
محمد حربي
صحفي وكاتب
moiharby1968@yahoo.com