بداية من الحنطور ” أبو عجلة بنور” ، إلى سياحة يخوت الأثرياء، وصفوة المرفهين، يحكي التاريخ حكاية ” حدوته ” مصرية .. صفحاتها مضيئة، بما حباها الله من كنوز ثرية متفردة، ومتنوعة: طبيعية، وثقافية، وتراثية، وبناء معجزة حضارية إنسانية، جعلت العالم جميعا، يقف أمامها، ينظر، ويتأمل عظمة المصريين، وقدرتهم على بناء قواعد المجد وحدهم، وفي سالف الدهر، ليضيئوا للبشرية كلها ” شرقها، وغربها ” شمعة تهتدي بها في خطواتها الأولى نحو الخروج من ظلام الجهل والتخلف، وليدخلوا مصر إن شاء الله آمنين.
ومع الزمن، وتطور أنماط الحياة، عرف الناس نمط سياحة العصر، وهو يخوت الأثرياء، أو الفئات الأكثر رفاهية في العالم، وصاحبة أعلى قدرة شرائية ” مليارات الدولارات العائمة على سطح المياه”، جعلت الدول الشاطئية، والساحلية، تسعى لجذبهم، بما يعود على اقتصادياتها من تنشيط للأسواق، وخلق فرص عمل، وحصيلة عملات أجنبية، ولذلك فقد تنافس المتنافسون في البحرين الأحمر، والمتوسط، لجذب هذا النمط السياحي الجديد، ولكن عند التحدي في المقاصد السياحية.. هنا تتحدث مصر.
بدأت مصر تنظر بعين جديدة، إلى سياحة اليخوت، التي من المتوقع أن تساهم بما يزيد عن الربع من قيمة الصناعات الملاحية العالمية، التي يتوقع أن تبلغ نحو 3 تريليونات دولار عام 2030م، ويتركز نصف حركتها في البحر الأبيض المتوسط وحده، الذي يجذب أكثر من 30 ألف يخت سنويا، تعاظمت أهميتها في دعم اقتصاديات العالم، بنحو 300 مليار دولار، وخلق فرص عمل مباشرة بمعدل 4.4 وظيفة مباشرة لكل يخت، بالإضافة إلى 100 وظيفة غير مباشرة، الأمر الذي جعل إحدى الإمارات العربية المتحدة، وهي دبي تنشئ أكثر من ثلاثة آلاف رصيف، موزعة على 15 ميناء بحري، خلال الفترة من 2017 حتى 2020 .
وتتمتع مصر بميزة نسبية في المقاصد السياحية، عربيا، وإقليميا، وعالميا، سواء من حيث الموقع الجغرافي، كملتقى لثلاث من قارات العالم، ونهر النيل، أحد أهم الممرات العالمية، الذي تحيط به المناظر الطبيعية الخلابة، مع المناخ الدافئ والمعتدل، والآثار التاريخية، والكنوز التراثية، ومنها أحد عجائب الدنيا السبع، لحضارة عمرها أكثر من سبعة آلاف عام.. وأنه بجانب الشريط الساحلي النيلي، توجد هناك شواطئ ساحلية بحرية، تزيد عن 2400 كلم، منها ما يزيد عن ألف كلم متر، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ظلت غير مستثمرة الاستثمار الأمثل، حتى عصر الجمهورية الجديدة، وتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتحرك سريع من الوزارات المعنية، وحمل لواء التنسيق الفريق مهندس كامل الوزير، وزير النقل، لطي المسافات، وتعويض ما ضاع من الزمن في الماضي، لدخول المنافسة، وبقوة على جذب سياحة اليخوت.
وتبقى الوقفة مع النفس، ومراجعة الذات مهمة، لننظر إلى أين وصلنا، مقارنة بالآخرين من حولنا، فنبدأ بإعادة ترتيب أوراقنا، حتى نلحق بركب سياحة اليخوت، ولو كان ألف ميل، طالما بدأنا بالخطوة الأولى، وتشكيل لجنة وزارية عليا، برئاسة وزير النقل، وعضوية: السياحة والآثار، والمالية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وممثلين عن الوزارات والجهات المعنية، لوضع الإستراتيجية اللازمة، تضمنتها تسعة إجراءات، من بينها تقليص الفترة الزمنية لاستصدار الموافقات والتصاريح الأمنية اللازمة لزيارة اليخت، إلى ” 30″ دقيقة، لمسايرة الدول المنافسة من حولنا .
ليس من الحكمة أن نضيع الوقت بالتفكير في كيفية صناعة العجلة، وعلينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرين، وتكييف ذلك وفقا لما يتناسب مع قدراتنا، وطاقاتنا، وما نملك من مقومات ومزايا نسبية، لتوطين سياحة اليخوت، بالسعي لاستقطاب الشركات المصنعة، ومنحها التسهيلات اللازمة، وزيادة استثماراتنا في المنشآت البحرية والبنىة التحتية، وإقامة المعارض، وجذب الوسطاء العالميين، حتى تصبح مصر مركزا إقليميا واعدا ، ولتكن انطلاقتنا من محيطنا العربي في البداية، خاصة الخليج، الذي يضم وحده نحو 197 يخت فاخر، يزيد طولها على 40 قدمًا، تمثل 12% من أجمالي أسطول يخوت العالم الفاخرة.
اليوم توجد قيادة، تسير واثقة الخطى، تعرف قيمة الكنوز المصرية الفريدة، والمتنوعة، وامتلاك ثلث آثار العالم، وتحتاج فقط إرادة شعبية تقف خلف الطموح الكبير، من أجل استثمار كل ذلك، مع دور فاعل، والتفكير خارج الصندوق للمحافظين بالمدن الساحلية، ولاسيما مرسى مطروح، والساحل الشمالي، واجهة السياحة المصرية المشرقة، من أجل لفت أنظار العالم لهذه المنطقة التاريخية، وعلى وجه التحديد مدينة العلمين، المرتبطة بوجدان كل العالم تقريبا، كشاهدة، ومخزن أسرار، وصندوق رفات، الحرب العالمية الثانية، ولا يزال يفوح منها عبق الماضي، لتجذب السائحين، عشاق مصر .
صحفي وكاتب
moiharby1968@yahoo.com