آراءأهم الأخبار

محمد حربي يكتب: ليس بالشجب وحده يحيا العرب


كلمات الشجب، والاستنكار، والإدانة، على رأي المثل الشعبي: ” زى الطبل، صوت عالٍ وجوف خالٍ “، مجرد بيانات، لا تساوي قيمة الحبر والورق، الذي تكتب به. وحتى تلويح بعض القادة، من حين لآخر، باستخدام اتفاقية الدفاع العربي المشترك “المجمدة “، أو التهديد بتشكيل قوة عسكرية، للأسف لم تردع إسرائيل، لأنها تعرف أن العرب، أمة ” كلام لا أفعال “، ومجرد ظاهرة صوتية، تتعالى صيحاتها مع كل حادث، وإن اختلف الزمان، والمكان، والجريمة. ومن هنا نفهم سبب حالة التوحش الإسرائيلي المستمرة بالأراضي المحتلة، وكذلك دموية نتانياهو ” هتلر العصر الحديث”، الذي فقد عقله منذ ” طوفان الأقصى “، فاستباح غزة، أرضا وشعبا، وارتكب أبشع جرائم الإبادة البشرية، ضاربا بالإعلانات، والعهود، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان عرض الحائط، ولم يعد هناك أي أمل للردع سوى تكرار سيناريو الأمة العربية، الذي حطم الأسطورة الإسرائيلية في حرب أكتوبر العظيم عام 1973 م .
ولأننا أمة تراثها الكلام، وتعيش في جلباب الحكيم الهادئ، لذا فقد اعتاد عدونا، وجنوده على حكمتنا، واعتدنا نحن على وحشيتهم، ومشاهدة المجازر التي ترتكب ضد الأشقاء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ونحن لا حيلة لنا سوى مصمصة الشفاه. وحتى لتحضرني في هذا المقام، كلمات الشاعر عبدالرحمن الأبنودي:” إيه أكتر من ده دم؟، إيه أكتر من ده هم يا أمة العرب؟.. حنموت إذا مات الغضب”. وعليه ليت الأمة، انصتت لنصيحة الزعيم جمال عبدالناصر، وقوله : ” إن الكلام لا فائدة منه، وإن الخطب لا تحارب، وإنه قد آن الأوان للأمة العربية كلها أن تحشد قواها، لتكون هناك جبهة من الشرق، وأخرى من الغرب، لمحاصرة إسرائيل”، وأنه بدون ذلك، لن يتوقف الطموح الإسرائيلي عند حدود ابتلاع فلسطين، لأن الحلم الصهيوتوراتي، هو دولة يهودية من النيل للفرات.
إن عملية الإبادة الجماعية التي يرتكبها نتانياهو لليوم السابع بعد المئة، ولا زالت مستمرة في غزة، وإن لم تكن الأولى له، إلا أنها الأبشع في حروبه الستة ضد الفلسطينيين، منذ تولى رئاسة وزراء الكيان الإسرائيلي، وامتدادا لسلسلة مجازر وحشية لقيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية، لأكثر من سبعين عاما، كانت عقليتهم جميعا مبرمجة على الغطرسة والغرور- ليست كلها نابعة من قوة ذاتية، بقدر ما يسهم فيها تخاذل المتخاذلين أمامهم-، وصدق فيهم قول الشاعر: ” ليس فيهم من فتى مطيع.. فلعنة الله على الجميع”، ويتفقون في عقيدة حربية واحدة: ” ما لا يأتي بالقوة زد عليه قوة”، ويمارسون سياسة الأرض المحروقة، لتصدير الرعب والفزع، والانتقام من المدنيين، ردا على المقاومة، ودون أدنى اعتبار للقانون الدولي الإنساني، ولا اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م، ولا حتى الردع العربي .
وعلى طريقة نابليون الأول، في التعامل مع الصين عام 1816م بقوله : “اتركوا الصين نائمة، فالصين عندما تستيقظ سيرتجف العالم كله.”، فقد خططت الصهيونية الإسرائيلية منذ خمسينيات القرن الماضي، من أجل العمل على تغييب وعي الأمة العربية عن مشهد المواجهة، بإستخدام سياسة فرق تسد في المنطقة، وغرس بذور الشقاق، وبث الفتنة، حتى أفقدت دول أمتنا الثقة في بعضها البعض، وانكفأت كل دولة على نفسها، تغليب مصلحتها على غيرها، ووفقا لحساباتها الخاصة، الأمر الذي انعكس على معاهدة الدفاع العربي المشترك، فجاءت خالية من أي آلية ملزمة للأعضاء بتطبيق القرارات، وبالتي كانت مجرد حبر على ورق، وعجزت عن رد الاعتبار، وتلبية طموح الشعوب التي أصيبت بصدمة من جراء هزيمة جيوشها أمام مجموعة من عصابات الهاغاناه، في حرب عام 1948م.. والسبب عدم صدق النوايا.
ورغم رمزية معاهدة الدفاع العربي المشترك، إلا أن فكرة التكاتف، واللحمة العربية، ظلت تشكل هاجسا للقيادات الإسرائيلية، أفصحت عنها صراحة جولدا مائير، رابع رئيس وزراء للاحتلال الإسرائيلي، والمرأة الوحيدة التي تولت هذا المنصب حتى الآن، عندما قالت عقب حريق الصهاينة للمسجد الأقصى في عام 1969م: “لم أنم طوال الليل كنت خائفة من أن يدخل العرب إسرائيل أفواجاً من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أن باستطاعتنا أن نفعل أي شيء نريده”. ولكن لم يدم يومها التالي طويلا ، فسرعان ما عصفت بها، والصهيونية، إرادة أمة تحركت من المحيط للخليج، ومعها سلاح البترول الخليجي، لتشعل نيران الغضب في حرب أكتوبر عام 1973م، وتكتب نهاية أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.
اسمعوها مني: إن أمتنا قد تمرض قليلا، لكنها لا تموت أبدا، ويظل الحلم الكبير من المحيط إلى الخليج، رؤية الأفعال لا الأقوال، من أجل إحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك، وتشكيل قوة عسكرية جماعية، إذا كانت لدينا إرادة حقيقية لمواجهة إسرائيل ، لأنه بدون ذلك سوف تستمر الغطرسة الإسرائيلية، والممارسات الصهيونية في جرائم الإبادة الجماعية ضد الأشقاء الفلسطينيين. وحتى يتحقق ذلك، تظل الشعوب العربية تؤازر بقلوبها المقاومة الفلسطينية، وهي تصرخ بلسان الشاعر الفلسطيني توفيق زياد ” أبو أمين”:” أناديكم، أشد على أياديكم..أبوس الأرض تحت نعالكم.. وأقول: أفديكم”.
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى