دين و دنيا

د.حسنى ابوحبيب يكتب :الكبر على المتكبر صدقة

قال حكيم: “أظلم الظالمين لنفسه من تواضع لمن لا يكرمه ، ورغب في مودة من لا ينفعه ، وقبل مدح من لا يعرفه”.
بمعنى أنه من الظلم للنفس أن يحملها صاحبها على التواضع للئيم لا يقدرها ولا يكرمها ، بل وربما حمل هذا التواضع ذلك اللئيم على الكبر والعجب والتمرد على نحو ما قال المتنبي في قصيدته التي يقول في مطلعها: لكل امرىءٍ مِنْ دَهْرِهِ ما تَعَوّدَا …………………..
إلى أن قال:
وَما قَتَلَ الأحرارَ كالعَفوِ عَنهُمُ *** وَمَنْ لكَ بالحُرّ الذي يحفَظُ اليَدَا
إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ *** وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا
وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى *** مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى.

ومن ثمَّ جاء في الأثر: الكبر على المتكبر صدقة لأن المتكبر إذا تواضعت له تمادى في تيهه وإذا تكبر عليه يمكن أن ينتبه ، ومن سمات المسلم العزة على حدّ قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].

وروي أن رجلاً مر على عمر وقد تخشع وتذلل وبالغ في الخضوع فقال عمر: ألست مسلما قال: بلى قال: فارفع رأسك وامدد عنقك فإن الإسلام عزيز منيع.

أيضاً ظالمٌ لنفسه من يرغب في مودّة من ليس وراءه منفعة دينية أو دنيوية وذل نفسه في طلب تلك المودة التي لا تعود عليه بشيء أما إذا كانت المودة لله وفي الله فهذه لاتدخل في هذا السياق لأن المودة إذا كانت لله ففيها الخير كله في العاجلة والآجلة وهي من الله أولاً وآخراً لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].
كذلك يعدّ من باب الظلم للنفس من يقبل مدح إنسان ما عرفه أو خالطه أو عاشرة فعادة ما يكون ذلك من النفاق ، وهؤلاء الذين أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نحثوا في وجوههم التراب من هذا ما جاء في مسند الشهاب القضاعي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَمَدَحَ عُثْمَانَ، فَقَامَ الْمِقْدَادُ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا لَكَ؟، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “احْثُوا فِي وَجْهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ”.

ورحم الله أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان رحمه الله فقد كان يقول لكل من دخل عليه مادحاً: لا تمدحني فأنا أعرف بنفسي.ومن البلاهة بل الحماقة أن يقبل إنسان مدحاً من آخر لم يعرفه فضلاً من أن يُسر به.
رزقنا الله وإياكم معرفة الكريم ووقانا شر كل لئيم.

زر الذهاب إلى الأعلى