محمد حربي
دقت ساعة الصفر !. وانتهت المهلة الزمنية، بأيامها الثلاثين؛ والتي منحتها محكمة العدل الدولية لإسرائيل، لإثبات امتثالها، لأوامر المحكمة الستة، الصادرة يوم 26 يناير الماضي، وبشأن: ضمان عدم وقوع أفعال ” إبادة جماعية”، أو التحريض عليها ضد الفلسطينيين، ومنع إتلاف أي أدلة تتعلق بها، واتخاذ خطوات لتحسين إمدادات المساعدات الإنسانية… الخ. وذلك ضمن التدابير المؤقتة؛ التي طلبت دولة جنوب أفريقيا، فرضها على ” تل أبيب “، و جاء بينها وقف الحرب الإسرائيلية على غزة؛ وإن كان تقرير المحكمة قد خلا من النص عليه صراحة !؛ مما جعل مصداقية أعلى سلطة قضائية بالأمم المتحدة، على المحك. واليوم، يترقب العالم كله، ماذا سيكون عليه التجاوب الإسرائيلي، مع صحوة الضمير العالمي ؟! .
ويقيناً !، لطالما ظلت إسرائيل، تُعاني من عَجْزٍ في أطباء الصحة النفسية، والرمد؛ فسوف تبقى العقول والعيون الإسرائيلية، على حالها؛ فلا فرط في التفاؤل، فيما سيأتي به تقرير ” تل أبيب”، لمحكمة العدل الدولية. وقطعاً، سوف يخلو من كل حقائق معركة ” طوفان الأقصى “؛ منذ بدأت يوم 7 أكتوبر العام الماضي. وقطعا لن ترى المحكمة عدد الشهداء، الذي تجاوز حاجز 29313 شهيداً، وأكثر من 69333مصاباً، أو بشبح المجاعة، ويهدد نحو 600 ألف فلسطيني، أي ما يعادل نسبة 25 % من سكان قطاع غزة، وفقا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، بالأمم المتحدة؛ الذي يعتبر حد المجاعة يبدأ من 20 – 30%. وأضف إلى هذا وذاك، أن التقرير الإسرائيلي لن يشير لتدمير حوالي 93 بالمئة من المباني، وأكثر من 200 موقع أثري وتراثي فلسطيني، تستهدفها خطة صهيونية؛ لتجريف ذاكرة الأمة الفلسطينية.
ولنتجاوز السفسطة الصهيونية، بشأن التشكيك في ضلوع جيش الاحتلال الإسرائيلي، بارتكاب جريمة ” الإبادة الجماعية ” ضد الفلسطينيين في غزة، منذ 7 أكتوبر العام الماضي. فالشواهد كثيرة، والأدلة قطعية الثبوت؛ فيما لا يدع مجالا للشك. وعليه، فالإشكالية الحقيقية الآن؛ باتت تكمن في محكمة العدل الدولية ذاتها !، وقدرتها بالحفاظ على مصداقيتها . فالمحكمة العالمية، هي اليوم على المحك، وأمام اختبار تاريخي؛ والعالم كله يشاهدُ، ويشهدُ !. وأنه من غير المعقول أن يختل ميزان العدالة؛ مع استمرار ازدواجية المعايير، والكيل بمكيالين؛ والذي يبدو واضحاً، عند مقارنة التعامل مع قضية دولة غامبيا ضد ميانمار، بالموقف الراهن من دعوى دولة جنوب أفريقيا، ضد الاحتلال الإسرائيلي .
وعندما نستعيد مشهد تعامل محكمة العدل الدولية، مع قضية غامبيا، ضد ميانمار، بشأن ارتكاب انتهاكات ضد شعب الروهينغا، سوف نجد أنه كان حاسماً؛ حيث أرسلت المحكمة أمر التدابير المؤقتة لمجلس الأمن الدولي، بموجب المادة 41 (2) من الننظام الأساسي للمحكمة؛ كما مثلت أونغ سان سو تشي، رئيسة الحكومة البورمية، أمام المحكمة، وتعهدت قائلة: “إن ميانمار لن تتسامح مع انتهاكات حقوق الإنسان …، وإذا ما كانت جرائم حرب قد ارتكبت…، فإن بلادها ستقوم بمحاكمة الجيش”.
وعلى عكس حالة غامبيا؛ فلم تكن المحكمة عند مستوى طموح دولة جنوب أفريقيا، في التعاطي مع دعوها ضد ” تل أبيب”، بتهمة ارتكاب القوات الإسرائيلية، لجريمة إبادة جماعية، ضد الفلسطينيين في غزة؛ والصمت على استهتار الحكومة اليمينية الصهيونية المتطرفة بالقانون الدولي، والتعامل مع قرار المحكمة ، بكثيرٍ من اللا مبالاة !. ولدرجة أن “نتانياهو”، ظهر وكأنه ينافس للتربع على عرش الرقم القياسي بموسوعة ” جينيس”، لأطول لسان في العالم؛ وهذا يفسر غزارة أكاذيبه ضد ” بريتوريا”، حتى أنه وصفها بذراع ” حماس” القانوني؛ بل لامس طرف لسانه محكمة العدل الدولية نفسها؛ مع أنها لم تُرسل تقريرها ضد إسرائيل، إلى مجلس الأمن !.
وواحدة من المفارقات العجيبة، أن محكمة العدل الدولية؛ التي لم تتحسب، لا للفيتو الصيني، ولا الروسي؛ عندما أرسلت أمر التدابير المؤقتة ضد ميانمار، إلى مجلس الأمن الدولي؛ وإذ بنفس المحكمة؛ والتي هي أعلى سلطة قضائية بالأمم المتحدة، تفاجئنا بنهج مغاير مع القرار الخاص بإسرائيل !. ورب قائل: إنه نوع من الحرص على حفظ ماء وجه أميركا؛ ورفع الحرج عنها، من استخدام ” الفيتو “. وخاصة مع صحوة الضمير العالمي، واشتعال شرارة الغضب في عدد من عواصم العالم؛ احتجاجاً على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، ضد الفلسطينيين.
وقد أثمر نضال بعض المنظمات الحقوقية، كما هو الحال في هولندا؛ والتي حاكمت حكومة بلادها !. وحصلت من محكمة الاستئناف الهولندية، حكماً يلزم أمستردام، بمنع جميع صادرات قطع غيار الطائرات المقاتلة من طراز إف-35 إلى إسرائيل؛ لتفادي التورط الهولندي من تهمة المشاركة في جريمة إبادة جماعية. ومن الغرب إلى الشرق، وفي الهند؛ فقد أعلنت نقابة النقل المائي، في أحد عشر ميناءً هندي، الامتناع عن شحن أو تفريغ أي أسلحة من، وإلى إسرائيل، ولا أياً من الدول المتعاونة مع ” تل أبيب “، في المعدات العسكرية؛ التي تُستَخْدم ضد الفلسطينيين.
وعلى رأي المثل الشعبي الفلسطيني: ” دُقْ الحَدِيدُ وهو حَاَمي”. ولتكن البداية من هولندا، والهند. وعلى الأمتين العربية والإسلامية، تنسيق الجهود: الدبلوماسية، والبرلمانية، وعلى مستوى منظمات المجتمع المدني، والنقابات العمالية؛ من أجل مخاطبة المجتمع الدولي، رسميا، وشعبيا، وحث عواصم العالم على اتخاذ مواقف أكثر إيجابية؛ لكبح جماح إسرائيل، في انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان، وعدم امتثالها للمواثيق والقوانين الدولية، وغطرسة الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة؛ التي تقامر بالأمن والسلم الدوليين !.
كاتب وصحفي
Moiharby1968@yahoo.com