آراءأهم الأخبار

محمد حربي يكتب: أطفال فلسطين قرابين توراتية


تشير إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف “، إلى استشهاد أكثر من 13 ألف طفل فلسطيني – ضمن ما يزيد عن 30 ألف شهيد فلسطيني – بخلاف المفقودين-؛ الذين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي – بأسلحة معظمها أميركية الصنع –، منذ معركة ” طوفان الأقصى ” 7 أكتوبر عام 2023م. ويخطئُ، كل من ينظر إلى أطفال فلسطين؛ الذين تقتلهم الصهيونية، بأنهم مجرد أرقام في سجل الموتى؛ بينما هم ضحية خطة إسرائيلية ممنهجة، لها بعد يتعلق بهاجس العامل الديموغرافي، وحلم الدولة اليهودية، وكذلك فكرة القرابين التوراتية. والفكر الصهيوني يَعتبرُ أن كل طفل فلسطيني، هو مشروع مقاوم؛ ولذلك يعتقد قادة إسرائيل أن أقصر الطرق لتجفيف منابع المقاومة الفلسطينية، هو استهداف الأطفال، سواء بالقتل، أو الاعتقال، وأحيانا كثيرة بالإهمال المتعمد للرضع في المستشفيات، لقطع النسل الفلسطيني؛ فلا يوجد من يحمل راية المقاومة مستقبلاً !.
ومنذُ النكبة الأولى (عام 1948م.)، وقواتُ الاحتلال الإسرائيليٍ – وبالتأكيد -، قد جربت جميع وسائل القتال، والانتهاكات، بالمخالفةِ لكافة الشرائع، والقوانين، والمواثيق الدولية؛ في استهدافها الممنهج لأطفالِ فلسطين. وعلى الرغم من كل فعلته الصهيونية، فما انقطع الأمل، ولا انتهى الحلم الفلسطيني في تحرير الأرض، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس. وكذلك، لم تخبت نار المقاومة الفلسطينية يوماً؛ وظلت جذوتها باقية دائما، تُوقَدْ، ويَشْتَعلُ لَهِيبُهاَ، كلما هّبت عليها رياحُ الغطرسة الصهيونية. وهذا اللهيبُ ظل يلفحُ وجوه قادة الكيان الصهيوني المحتل، ويَقضُ مضاجعهم؛ للدرجة التي جعلت جولدا مائير- رئيسة وزراء إسرائيل – الرابعة -، تقول : ” … : كل يوم أتمنى أن أصحو، ولا أجد طفلاً فلسطينياً واحداً على قيد الحياة … ” .
وهذا السلوك العدائي، لم يكن مجرد حالة نفسية خاصة عند “مائير “؛ بل هو موروث عقائدي، مستمد من التعاليم التلمودية، التي يضيق ذرعا بأطفال فلسطين، ويتعطش دائما لسفك الدماء. وهذا ربما يتوافق مع قاله المؤرخ اليهودي برنارد لازار في كتابه “اللا سامية”: “إن اليهود يستخدمون دم الأطفال في السحر”. إذاً فسفك الدماءُ، هو أمر يتعلق بجوهر العقيدة اليهودية؛ والتي يتقرب فيها الصهيوني إلى الرب، بقتل الطفل الفلسطيني. وهناك الكثير من الشواهد التوراتية على نظرية الإبادة لدى اليهود؛ والتي قد ترتقي لدرجة العبادة. وقد جاء في سِفر العدد (17:31) – أحد الإسِفار المقدسة في العهد القديم –: ((فالآن اُقتلوا كل ذكر من الأطفال …)). وفي سِفر صموئيل الأول (12: 15-4): ((فالآن اذهب واضرب … بل اُقتل رجلاً وامرأةً، طفلاً ورضيعاً …)).
وتبيحُ فتاوي الحاخامات، سفك دماء الأطفال الفلسطينيين، خَوفاً من السيرِ على نهجِ آبائهم في المقاومة؛ حتى أن مردخاي إلياهو- المرجعية الدينية الأولى للتيار الديني القومي الإسرائيلي، والحاخام الشرقي الأكبر لإسرائيل سابقاً، شرعن للقوات الإسرائيلية قتل المدنيين. وقد استشهد في ذلك بالمجزرة التي تعرض لها شَكيم بِن حَمور الحِوِّيّ – أحد شخصيَّات الكتاب المقدَّس، واِبن رئيس المنطقة التي سكنها يعقوب وأولاده-، والتي وردت في “سِفر التكوين “، كدليل على النصوص التوراتية التي تُبيح لليهود فكرة العقاب الجماعي لأعدائهم؛ وفقا لأخلاقيات الحرب. وهذا المعيار تطبقه حكومة بنيامين نتانياهو حالياً على أهالي غزة، وأطفالها؛ ردا على صمودِ المقاومة الفلسطينية.
وكم كانت هي الصدمة، للمديرة التنفيذية لـ ” يونسيف ” – كاثرين راسل !؛ عندما شاهدت عدد الضحايا الفلسطينيين من الحربِ الصهيونية في غزة، فقالت: ” لم نشهد هذا المعدل من الوفيات بين الأطفال في أي صراع آخر في العالم تقريباً”. وهذا يعيد للذاكرة التاريخ الأسود، للجيش الإسرائيلي، والذي يدعي أنه أسطورة؛ إلا أن التجارب أثبتت، بأنه حينما يعجز عن المواجهات العسكرية، فيهرب من ميدان المعركة- وهذا ديدنه -، ويذهب ليستهدف المدنيين العزل، ويستهدف الأطفال الأبرياء، في محاولة للتأثير معنويا على الخصم – وسوابقه في ذلك كثيرة خارج فلسطين المحتلة-. ومن ينسى مجزرة مدرسة بحر البقر الابتدائية (عام 1970م.)، بإحدى قرى محافظة الشرقية المصرية؛والتي قصفتها طائرات القوات الإسرائيلية من طراز فانتوم، تزن “1000 رطل”؛ وراح ضحيتها عدد كبير من الأطفال الأبرياء، ضمن سلسة مجازر صهيونية بحق المدنيين العزل من النساء والأطفال.
والتاريخ حافلُ بقصص بني إسرائيل اللإنسانية؛ لدرجة أن الزعيم الألماني “هتلر “، قد وصف شريعتهم التلمودية، بأنها إقصائية، وتكره قبول الآخر؛ وتريد الأرض، كل الأرض. وفي الحرب، تمزق الصهيونية قميص الأخلاقيات، ولا تفرق بين المحاربين، وغيرهم؛ فتحرق المدن والقرى، بمن فيها من البشر، والزرع، والحجر؛ حتى تهلك الحرث والنسل. وشتان ما بين الفتاوي التوراتية التحريضية على قتل المدنيين الأبرياء، والتلذذ بلون الدماء الحمراء، والرقص على جثث الأطفال، وبين الضوابط الأخلاقية الإسلامية، التي تكون حروبها ضد الطغاة، ورد المعتدين. ولذا تلتزم بوصايا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وآداب القتال في الإسلام؛ وقد طبقها الصحابة من بعده؛ بحيث لا يتم قتل شيخاً، ولا طفلاً، ولا إمرةً.
ولعل إدانة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية- كريم خان؛ لجرائم الحرب؛ التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة؛ تفتح الباب لملاحقة القيادات الإسرائيلية، والجنود الإسرائيليين، المتورطين بجرائم إبادة جماعية؛ لمحاكمتهم أمام “الجنائية الدولية”. وهنا تقع المسؤولية على عاتق المنظمات العربية، المعنية بالمرأة والطفل – التي شغلت نفسها كثيراً في قضايا الجدل البيزنطي، بشأن طفل واحد أم طفلين، هو الأفضل لأسرة حياة كريمة-؛ وعليها الآن التحرك من أجل تضافر جهودها مع إتحاد المحامين العرب، والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني على الصعيد العالمي، لرفع دعاوي قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، ضد القيادات السياسية والعسكرية، والجنود الإسرائيليين – خاصة وكثيرا منهم مزدوجي الجنسية- واستصدار أحكام إدانة بحقهم، تقيد حرية تنقلهم، وسفرهم خارج إسرائيل؛ وتضعهم تحت ضغط نفسي.
كاتب وصحفي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى